للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَشِيئَتُهُ: ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ (١) ﴿لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ (٢) " (٣).

وَقَالَ أَيْضًا: "ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ السُّنَنَ تَبْقَى عَلَى ظَاهِرِهَا، وَلَا تُطْلَبُ لَهَا عِلَلٌ إِلَّا إِذَا كُشِفَتْ عَنْ عِلَلِهَا، وَفِي قَوْلِ عُمَرَ : (وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ اسْتَلَمَكَ مَا اسْتَلَمْتُكَ) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ فِي الشَّرْعِ مَا [لا] عقل مَعْنَاهُ، وَفِيهِ مَا هُوَ مَعْقُولٌ أُوقِفَ عَلَى مَعْنَاهُ" (٤).

قُلْتُ: وَهَذَا الضَّرْبُ الثَّانِي - الَّذِي لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ - يُسَمِّيهِ العُلَمَاءُ: الأَحْكَامَ التَّعَبُّدِيَّةَ (٥)، لِأَنَّ العَقْلَ البَشَرِيَّ قَاصِرٌ عَنْ إِدْرَاكِ المَعْنَى الخَاصِّ للَّهِ سُبْحَانَهُ فِي تَشْرِيعِهِ، وَإِلَّا فَإِنَّ لَهُ فِيهَا أَحْكَامًا وَعِلَلًا وَمَقَاصِدَ اسْتَأْثَرَ بِعِلْمِهَا.

وَلَا يَعْنِي هَذَا أَنَّ الأَحْكَامَ الأُخْرَى المَعْقُولَةَ المَعْنَى عَرِيَّةٌ عَنْ مَعْنَى التَّعَبُّدِ فِيهَا، بَلِ التَّعَبُّدُ حَاصِلٌ فِيهَا مِنْ جِهَةِ أَمْرِ المُكَلِّفِ بِامْتِثَالِهَا.

هـ - عَمَلُ أَهْلِ المَدِينَةِ:

نَصَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى حُجِّيَةِ عَمَلِ أَهْلِ المَدِينَةِ فِيمَا جَرَى مَجْرَى النَّقْلِ عَنْ رَسُولِ اللهِ ، مِثْلَ نَقْلِهِمْ لِلْمُدَّ وَالصَّاعِ وَنَحْوِ ذَلِكَ - وَهَذَا مَحَلُّ اتِّفَاقٍ بَيْنَ


(١) سورة الأنبياء الآية (٢٣).
(٢) سورة الأعراف، الآية: (٥٤).
(٣) (٣/ ٤٦٧ - ٤٦٨) من قسم التحقيق.
(٤) (٣/ ٤٧٤) من قسم التحقيق.
(٥) قواعد الأحكام في مصالح الأنام للعز بن عبد السلام (١/ ٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>