للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِنْ بَابِ: المَسَاجِدِ الَّتِي عَلَى طُرُقِ المَدِينَةِ

* فِيهِ حَدِيثُ سَالِمٍ عَنِ ابن عُمَرَ وَهُوَ حَدِيثٌ طَوِيلٌ.

قَالَ بَعْضُ العُلَمَاءِ (١): إِنَّمَا كَانَ يُصَلِّي ابن عَمَرَ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي صَلَّى فِيهَا النَّبِيُّ عَلَى وَجْهِ التَّبَرُّكِ بِتِلْكَ الأَمْكِنَةِ، وَالرَّغْبَةِ فِي فَضْلِهَا.

وَلَمْ يَزَلِ النَّاسُ يَتَبَرَّكُونَ بِمَوَاضِعِ الصَّالِحِينَ وَأَهْلِ الفَضْلِ، أَلَا تَرَى أَنَّ عِتْبَانَ بنَ مَالِكٍ سَأَلَ النَّبِيَّ [أَنْ يُصَلِّيَ] (٢) فِي بَيْتِهِ لِيَتَّخِذَ الْمَكَانَ مُصَلَّى؟

وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ (٣)، إِنَّمَا خَشِيَ عُمَرُ أَنْ يَلْتَزِمَ النَّاسُ الصَّلَاةَ فِي تِلْكَ الْمَوَاضِعِ حَتَّى يُشْكِلَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَأْتِي بَعْدَهُمْ، وَيَرَى ذَلِكَ وَاجِبًا، وَلِذَلِكَ يَنْبَغِي لِلْعَالِمِ إِذَا رَأَى النَّاسَ يَلْتَزِمُونَ النَّوَافِلَ وَالرَّغَائِبَ الْتِزَامًا شَدِيدًا أَنْ يُرَخِّصَ فِيهَا فِي بَعْضِ الْمَرَّاتِ وَيَتْرُكَهَا، لِيُعْلِمَ بِفِعْلِهِ ذَلِكَ أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ، كَمَا فَعَلَ ابن عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ فِي تَرْكِ الأَضْحِيَّةِ (٤).


(١) الكلام لابن بطال، وهو في شرحه على البخاري (٢/ ١٢٧).
(٢) زيادةٌ مِنْ شَرْحِ ابن بَطَّالٍ (٢/ ١٢٦) يقتضيها السياق.
(٣) أخرج عبد الرزاق في المصنف (٢/ ١١٨) عن مَعْمَرٍ عن الأَعْمَش عن المعرور بن سُويد قال: (كُنْتُ معَ عُمَر بينَ مكَّةَ والمَدِينَة فَصَلَّى بنا الفَجْرِ، فَقَرأَ: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ﴾ و ﴿لإِيلَافِ قُرَيْشٍ﴾، ثُم رَأَى أَقْوَامًا ينْزِلُون، فَيُصَلُّون في مَسْجِدٍ فَسَأَلَ عنهُم، فَقَالُوا: مَسْجد صلَّى فيه النبيُّ فقال: إِنَّما هَلكَ مَنْ كانَ قَبْلَكم أنَّهُم اتَّخَذُوا آثَارَ أنْبِيَائِهِم بِيَعًا، مَنْ مَرَّ بِشيءٍ مِنَ المَسَاجِد فَحَضَرت الصَّلاة فلْيُصَلِّ، وإلا فَلْيَمْضِ). ورجَالُه ثِقَاتٌ.
(٤) أخرج عبد الرزاق في المصنف (٤/ ٣٨٢) من طريق الثوري، عن أبي مَعشَر، قالَ أبُو بكرٍ .. وقد سَمعتِه من أبي مَعشَر عن رَجلٍ مولى ابن عبَّاسٍ قال: (أرْسَلَني ابن عَبَّاس أَشْتَرِي لَه لَحْمًا بِدِرْهَمين وقال: قُلْ هَذِهِ أضْحِية ابن عبَّاسٍ)، وفي إسناده هذا المبهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>