للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* العِبْرَةُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ:

قَالَ : "وَفِي الحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِلْعَالِمِ أَنْ يَبُثَّ عِلْمَهُ فِي النَّاسِ، لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى تَوَعَّدَ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا نَزَّلَ اللهُ مِنَ البَيِّناتِ بِالعِقَابِ، وَهَذِهِ الآيَةُ وَإِنْ كَانَتْ نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الكِتَابِ، فَقَدْ دَخَلَ فِيهَا كُلُّ مَنْ عَلِمَ عِلْمًا تَعَبَّدَ اللَّهُ العِبَادَ بِمَعْرِفَتِهِ" (١).

* تَخْصِيصُ اللَّفْظِ العَامِّ بِالعُرْفِ:

أَوْمَأَ الْمُصَنِّفُ إِلَى أَحَدِ الْمُخَصِّصَاتِ الْمُنْفَصِلَةِ، وَهُوَ: العُرْفُ المُقَارِنُ لِلْخِطَابِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّف عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ﴾ (٢)، فَبَيَّنَ اخْتِلَافَ النَّاسِ فِي بَيَانِ الْمُرَادِ بِالطَّيِّبَاتِ وَالخَبَائِثِ، وَرَجَّحَ أَنَّ الأَصْلَ فِي مَعْرِفَةِ هَذَا البَابِ العَرَبُ، فَإِنَّ تَتَبُّعَ غَيْرِهِمْ يَصْعُبُ، وَالقُرْآنُ إِنَّمَا خَاطَبَهُمُ ابْتِدَاءً، وَبِلُغَتِهِمْ نَزَلَ، وَعَلَيْهِ؛ فَالطَّيِّبَاتُ: مَا اسْتَطَابَتْهُ العَرَبُ، وَالخَبَائِثُ: مَا كَانَتِ العَرَبُ تَسْتَقْذِرُهُ وَلَا تَأْكُلُهُ.

يَقُولُ : " … وَإِمَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ مَا كَانَ مُسْتَطَابَ الأَكْلِ فِي التَّحْلِيلِ، وَمُسْتَخْبَثَ الأَكْلِ فِي التَّحْرِيمِ، وَهَذَا هُوَ المُرَادُ إِذْ بَطَلَ مَا سِوَاهُ، لِأَنَّهُمْ يَتَوَصَّلُونَ بِمَا اسْتَطَابُوهُ إِلَى العِلْمِ بِتَحْلِيلِهِ، وَبِمَا اسْتَخْبَثُوهُ إِلَى العِلْمِ بِتَحْرِيمِهِ.

وَإِذَا كَانَ هَذَا أَصْلًا، وَصَارَ الْمُسْتَطَابُ حَلَالًا، وَالْمُسْتَخْبَثُ حَرَامًا، وَجَبَ


(١) (٢/ ١٧٠) من قسم التحقيق.
(٢) سورة الأعراف الآية (١٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>