للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِنْ هُنَا جَاءَتْ عِنَايَةُ الْمُؤَلِّفِينَ فِي شَرْحِ الحَدِيثِ وَفِقْهِ السُّنَّةِ بِهَذَا البَابِ العَظِيمِ، فَلَا يَكَادُ يَخْلُو كِتَابٌ لَهُمْ مِنَ الإِشَارَةِ إِلَيْهِ، وَالتَّنْبِيهِ عَلَى مَسَائِلِهِ، وَتَصْحِيحِ القَوْلِ فِيمَا ادُّعِيَ فِيهِ.

وَقَدْ أَدْلَى قِوَامُ السُّنَّةِ التَّيْمِيُّ بِدَلْوِهِ فِي هَذَا، فَقَرَّرَ بَعْضَ قَوَاعِدِ مَبْحَثِ النَّسْخِ، وَتَمَيَّزَ كَلَامُهُ فِيهِ بِالاحْتِيَاطِ وَالدِّقَةِ، وَلَمْ يَكُنْ مُغْرِقًا فِيهِ، وَمِنْ ذَلِكَ:

١ - بَيَانُ الحِكْمَةِ مِنَ النَّسْخِ:

كَشَفَ الْمُصَنِّفُ عَنِ الحِكْمَةِ الرَّبَانِيَةِ مِنْ وُقُوعِ النَّسْخِ فِي الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، وَبَيَّنَ أَنَّهُ جَارٍ مَعَ المَقَاصِدِ السَّامِيَةِ لِلشَّرِيعَةِ الإِسْلَامِيَّةِ، فَقَالَ : "وَأَمَّا مَا نَسَخَهُ تَعَالَى رِفْقًا بِعِبَادِهِ فَهُوَ الَّذِي قَالَ تَعَالَى: ﴿يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ﴾ (١) " (٢).

٢ - لَا يَصِحُّ النَّسْخُ دُونَ عِلْمٍ بِالتَّارِيخِ:

أَعْمَلَ المُصَنِّفُ هَذِهِ القَاعِدَةَ فِي مُنَاسَبَاتٍ، فَمِنْ ذَلِكَ:

قَالَ : "قَالَ بَعْضُ العُلَمَاءِ: تَوَاتَرَتِ الأَخْبَارُ أَنَّ قُدُومَ ابْنِ مَسْعُودٍ عَلَى النَّبِيِّ حِينَ لَمْ يَرُدَّ ، وَقَالَ لَهُ: (إِنَّ فِي الصَّلَاةِ شُغْلًا) كَانَ بِمَكَّةَ، وَقِصَّةَ ذِي اليَدَيْنِ رَوَاهَا أَبُو هُرَيْرَةَ، وَإِسْلَامُ أَبِي هُرَيْرَةَ كَانَ بِالمَدِينَةِ، فَكَيْفَ يَنْسَخُ الأَوَّلُ الآخِرَ؟

فَإِنْ قِيلَ: فَحَدِيثُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمٍ نَاسِخٌ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، لِأَنَّ زَيْدًا كَانَ مِنَ


(١) سورة الرعد، الآية (٣٩).
(٢) (٢/ ٣٥٤) من قسم التحقيق.

<<  <  ج: ص:  >  >>