المبحث الثالث عشر زُهْدُهُ وَوَرَعُهُ وَعِبَادَتُهُ
لَا يَنْفَكُّ جَانِبُ العَمَلِ وَالتَّزْكِيَةِ عَنِ العِلْمِ فِي سِيَرِ أَسْلَافِنَا العُلَمَاءِ، بَلْ كَانَ لِحِرْصِهِمْ على صَلَاحٍ سَرَائِرِهِمْ، وَعِنَايَتِهِمْ بِتَبَتُّلِهِمْ وَإِخْلَاصِ أَعْمَالِهِمْ، وَاجْتِهَادِهِمْ فِي تَرْويض أَنْفُسِهِمْ عَلَى التَّحَلِّي بِالأَخْلَاقِ الفَاضِلَةِ العَلِيَّةِ، وَالتَّأَسِّي بِالآدَابِ المَرْعِيَّةِ السَّنِيَّةِ، وَتَجَافِيهِمْ عَنِ الظُّهُورِ وَالإِعْجَابِ بِالنَّفْسِ أَثَرٌ كَبِيرٌ فِي حَيَاتِهِمُ العِلْمِيَّةِ، وَشَوَاهِدُ هَذَا أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى، وَأَكْبَرُ مِنْ أَنْ تُسْتَقْصَى.
وَقَدْ ضَرَبَ إِمَامُنَا الْمُصَنِّفُ قِوَامُ السُّنَّةِ أَبُو القَاسِمِ التَّيْمِيُّ ﵀ مِنْ ذَلِكَ بِحَظٍّ وَافِرٍ، فَزِيَادَةً عَلَى إِمَامَتِهِ فِي العِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ وَاتِّسَاعِ الرِّوَايَةِ؛ عُرِفَ ﵀ بِتَعَبُّدِهِ وَوَرَعِهِ وَعِبَادَتِهِ، وَقَدْ تَنَاقَلَ عُلَمَاءُ عَصْرِهِ وَصْفَ حَالِهِ، وَحَمِدُوا سَرِيرَتَهُ، وَوَقَعَ فِي شَهَادَاتِهِمْ مَا يُجَلِّي ذَلِكَ، فَحَلَّوْهُ بِالأَخْلَاقِ الحَسَنَةِ، وَزَكَّوْهُ بِالصِّفَاتِ الحَمِيدَةِ، مَعَ نُسُكٍ وَتَبَتُّلٍ وَحُسْنِ عِبَادَةٍ، فَكَانَ ﵀ مِمَّنْ يُضْرَبُ بِهِ المَثَلُ فِي الفَلَاح وَالرَّشَادِ (١).
ونكتفي فِي هَذَا الْمَقَامِ بِشَهَادَةِ الإِمَامِ أَبِي زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنِ مَنْدَه (ت: ٥١١ هـ) ﵀ وَهُوَ مِمَّنْ تَتَلْمَذَ لِلتَّيْمِيِّ ﵀، وَقَدْ عَاصَرَهُ فَرَأَى مِنْهُ مَا يَجْعَلُهُ يَشْهَدُ لَهُ بِالتَّقَدُّمِ
(١) سير أعلام النبلاء للذهبي (٢٠/ ٨٥)، وتاريخ الإسلام له أيضًا (١١/ ٦٢٨).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute