للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَنْ أُطِيلَ هُنَا، وَحَسْبِي أَنْ أُحِيلَ القَارِئَ عَلَى الْمَبْحَثِ الأَوَّلِ مِنَ الفَصْلِ الثَّانِي الَّذِي خَصَّصْتُهُ لِلْحَدِيثِ عَنْ مَنْهَجِهِ فِي شَرْحِهِ لِأَحَادِيثِ الجَامِعِ الصَّحِيحِ.

* نبوغهُ في عِلْمِ الرِّجَالِ، وَالجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ:

مِمَّا لَا شَكّ فِيهِ عِنْدَ أَهْلِ الحَدِيثِ أَنَّ بَابَ الجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ مِنْ أَصْعَبِ أَبْوَابِ عِلْمٍ الحَدِيثِ الشَّرِيفِ، إِذْ لَيْسَ كُلُّ مُحَدِّثٍ عَارِفًا بِهِ، فَلَا يُقْدِمُ عَلَى هَذَا الفَنِّ إِلَّا مَنْ كَانَ عَارِفًا بِمَرَاتِبِ الرِّجَالِ وَأَحْوَالِهِمْ فِي الانْحِرَافِ وَالاسْتِقَامَةِ، ذَا يَقَظَةٍ تَامَّةٍ تُبْعِدُهُ مِنَ الاغْتِرَارِ بِظَوَاهِرِ الحَالِ، عَالِمًا بِالتَّوَارِيخِ وَمَوَالِيدِ الرُّوَاةِ، وَوَفَيَاتِهِمْ، وَرِحْلَاتِهِمْ، وَأَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْوَرَعِ وَالتَّقْوَى، مُجَانِبًا لِلتَّعَصُّبِ وَالهَوَى.

وَلَقَدْ كَانَ إِمَامُنَا قِوَامُ السُّنَّةِ التَّيْمِيُّ مِمَّنْ بَلَغَ هَذِهِ المَرْتَبَةَ الَّتِي لَا يَبْلُغُهَا وَلَا يَنَالُهَا إِلَّا القَلَائِلُ، وَقَدْ قَبِلَ العُلَمَاءُ قَوْلَهُ فِي الجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، وَعَوَّلُوا عَلَيْهِ فِي مَعْرِفَةِ أَنْسَابِ الرُّوَاةِ وَأَوْطَائِهِمْ.

يَقُولُ الحَافِظُ أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ (ت: ٥٧٦ هـ) : "كَانَ فَاضِلًا فِي العَرَبِيَّةِ وَمَعْرِفَةِ الرِّجَالِ" (١).

وَشَوَاهِدُ تَقَدُّمِهِ فِي هَذَا الْعِلْمِ تَأَبَّى عَنِ الحَصْرِ، فَقَدْ أَكْثَرَ تِلْمِيذُهُ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ (ت: ٥٨٢ هـ) مِنْ سُؤَالِهِ عَنْ أَحْوَالِ الرِّجَالِ، وَقَدْ بَثَّ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ الأَنْسَابِ.


(١) تاريخ الإسلام للذهبي (١١/ ٦٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>