للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ قِبَلِ مُوسَى ، إِذْ لَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يُعَيِّرَ أَحَدًا بِذَنْبٍ كَانَ مِنْهُ، لأَنَّ الخَلْقَ كُلَّهُمْ تَحْتَ العُبُودِيَّةِ سَوَاء وَقَدْ رُوِيَ: (لَا تَنْظُرُوا إِلَى ذُنُوبِ العِبَادِ كَأَنَّكُم أَرْبَابٌ، وَانْظُرُوا إِلَيْهِم كَأَنَّكُم عَبِيدٌ) (١).

وَلَكِنَّ اللَّوْمَ لَازِمٌ لَآدَمَ مِنْ قِبَلِ اللهِ، إِذْ كَانَ قَدْ أَمَرَهُ وَنَهَاهُ، فَخَرَجَ إِلَى مَعْصِيَتِهِ، وَبَاشَرَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ، وَللهِ الحُجَّةُ البَالِغَةُ لَا شَرِيكَ لَهُ.

وَقَوْلُ مُوسَى وَإِنْ كَانَ مِنْهُ فِي النُّفُوسِ شُبْهَةٌ، وَفِي ظَاهِرِهِ مُتَعَلَّقٌ، لاحْتِجَاجِهِ بِذِكْرِ السَّبَبِ الَّذِي قَدْ جُعِلَ أَمَارَةَ خُرُوجِهِ مِنَ الجَنَّةِ، فَقَوْلُ آدَمَ فِي تَعَلُّقِهِ بِالسَّبَبِ الَّذِي هُوَ بِمَنْزِلَةِ الأَصْلِ أَرْجَعُ" (٢).

ذَمُّ الخَوْضِ فِي القَدَرِ:

أَخْفَى الله سُبْحَانَهُ عِلْمَ القَدَرِ عَنْ عُقُولِ الْمُكَلَّفِينَ ابْتِلَاءً وَامْتِحَانًا، وَحَجَبَهُ عَنْهُم تَمْحِيصًا وَاخْتِبَارًا، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ سَبِيلًا إِلَى العِلْمِ بِهِ رَحْمَةً بِهِمْ وَإِشْفَاقًا، وَلِذَلِكَ كَانَ النَّبِيُّ يَنْهَى عَنِ الخَوْضِ فِيهِ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: (خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ وَنَحْنُ نَتَنَازَعُ فِي القَدَرِ، فَغَضِبَ حَتَّى احْمَرَّ وَجْهُهُ، حَتَّى كَأَنَّمَا فُقِئَ فِي وَجْنَتَيْهِ الرُّمَّانُ، فَقَالَ: أَبِهَذَا أُمِرْتُمْ أَمْ بِهَذَا أُرْسِلْتُ إِلَيْكُمْ؟ إِنَّمَا هَلَكَ


(١) يُرْوَى هَذَا مِنْ كلامِ عِيسَى ، أَخْرَجَهُ مالكٌ بلاغا في موطئه - رواية الليثي - (٢/ ٩٨٦)، ومن طريقه ابن المبارك في كتاب الزهد (رقم ١٣٥)، وأخرجه من طريقين مختلفين: ابن أبي شيبة في المصنف (١٣/ ١٩٣)، وأحمد في كتاب الزهد (رقم: ٣١١).
قال الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة (رقم: ٩٠٨): "لا أَصْلَ لَهُ مَرْفُوعًا".
(٢) التحرير في شرح صحيح مسلم (ص: ٦٠١ - ٦٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>