للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حِينَ تَنَازَعُوا فِي هَذَا الأَمْرِ، عَزَمْتُ عَلَيْكُمْ أَلَّا تَتَنَازَعُوا فِيهِ) (١).

وَعَلَى هَذَا دَرَجَ السَّلَفُ الصَّالِحُونَ، وَالأَئِمَّةُ الْمَرْضِيُّونَ، فَكَانُوا يَنْهَوْنَ عَنِ الخَوْضِ وَالتَّنْقِيرِ فِيهِ، والتَّعَمُّقِ وَالتَّكَلُّفِ فِي ذَلِكَ، لِعَجْزِ الْعُقُولِ عَنِ الإِحَاطَةِ بِهِ، وَقُصُورِهَا عَنْ إِدْرَاكِ حَقِيقَتِهِ، وَلِأَنَّهُ كَمَا قَالَ الحَافِظُ ابن عَبْدِ الْبَرِّ : "لَا يُدْرَكُ يجدَالٍ، وَلَا يَشْفِي مِنْهُ مَقَالٌ، وَالْحِجَاجُ فِيهِ مُرْتَجَّةٌ لا يُفْتَحُ شَيْءٌ مِنْهَا إِلَّا بِكَسْرِ شَيْءٍ وَغَلْقِهِ" (٢).

وَقَالَ فِي مَوْطِنٍ: "وَجُمْلَةُ القَوْلِ فِي الْقَدَرِ أَنَّهُ سِرُّ اللهِ؛ لَا يُدْرَكُ بِجِدَالٍ وَلَا نَظَرٍ، وَلَا تَشْفِي مِنْهُ خُصُومَةٌ وَلا احْتِجَاجٌ" (٣).

ورَحِمَ اللهُ أَبَا جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيَّ إِذْ يَقُولُ: "وَأَصْلُ الْقَدَرِ سِرُّ اللهِ تَعَالَى فِي خَلْقِهِ، لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى ذَلِكَ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، وَالتَّعَمُّقُ وَالنَّظَرُ فِي ذَلِكَ ذَرِيعَةُ الْخِذْلانِ، وَسُلَّمُ الْحِرْمَانِ، وَدَرَجَةُ الطُّغْيَانِ، فَالْحَذَرَ كُلَّ الْحَذَرِ مِنْ ذَلِكَ نَظَرًا وَفِكْرًا وَوَسْوَسَةً، فَإِنَّ الله تَعَالَى طَوَى عِلْمَ الْقَدَرِ عَنْ أَنَامِهِ


(١) أخرجه الترمذي في جامعه (رقم: ٢١٣٣)، وأبو يعلى في المسند (١٠/ ٤٣٣) من طريق هِشَامِ بن حَسَّان عن ابن سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة به.
قال التِّرْمِذيُّ: "وهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ هَذَا الوَجْه".
ولَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ عَمْرو بن شُعَيْبٍ عَن أبيه عَن جَدِّه عند أحمد في المسند (٢/ ١٦٨)، والبخاري في خلق أفعال العباد (ص: ١٥٤)، ابن ماجه في مُقَدِّمة سننه (رقم: ٨٥)، واللالكائيُّ في شرح أصول الاعتقاد (٣/ ١١٥)، والآجُرِّي في الشريعة (١/ ٤٦٩)، وحَسَّنَهُ العَلَّامَةُ الأَلْبَانيُّ في المشكاة (١/ ٣٦).
(٢) التمهيد (٦/ ١٤).
(٣) المصدر السابق (٣/ ١٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>