للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَنَهَاهُمْ عَنْ مَرَامِهِ" (١).

وَرَحِمَ اللهُ الإِمَامَ أَبَا حَنِيفَةَ النُّعْمَانَ إِذْ يَقُولُ: "إِنَّ النَّاظِرَ فِي الْقَدَرِ كَالنَّاظِرِ فِي شُعَاعِ الشَّمْسِ؛ كُلَّمَا ازْدَادَ نَظَرًا ازْدَادَ حِيرَةً، أَوْ قَالَ تَحَيُّرًا" (٢).

وبَيَّنَ قِوَامُ السُّنَّة الحِكْمَةَ مِن اسْتِئْثَارِ اللهِ تَعَالَى بِالْقَدَرِ، وَالسَّبَبَ فِي حَجْبٍ مَعْرِفَتِهِ عَنِ الخَلْقِ فِي شَرْحِهِ لِصَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَنَقَلَ فِي ذَلِكَ نَصًّا عَزِيزًا عَنِ الإِمَامِ أَبِي الْمُظَفَّرِ السَّمْعَانِيِّ .

يَقُولُ : (وَجِمَاعُ هَذَا البَابِ: أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الله طَوَى عَنِ العَالَمِ عِلْمَ مَا قَضَاهُ وَقَدَّرَهُ عَلَى عِبَادِهِ، فَلَمْ يُطْلِعْ عَلَيْهِ نَبِيًّا مُرْسَلًا، وَلَا مَلَكًا مُقَرَّبًا، لأَنَّهُ خَلَقَهُمْ لِيَتَعَبَّدَهُمْ وَيَمْتَحِنَهُمْ، قال الله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ (٣).

وَقَدْ نَقَلْنَا عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ خَلَقَهُمْ لِيَأْمُرَهُمْ بِالْعِبَادَةِ، فَلَوْ كَشَفَ لَهُمْ عَنْ سِرِّ مَا قَضَى وَقَدَّرَ لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ فِي عَوَاقِبِ أُمُورِهِمْ، لَافْتَتَنُوا وَفَتَرُوا عَنِ العَمَلِ، واتَّكَلُوا عَلَى مَصِيرِ الأَمْرِ فِي الْعَاقِبَةِ، فَيَكُونُ قُصَارَاهُم عِنْدَ ذَلِكَ أَمْنٌ أَوْ قُنُوطٌ، وَفِي ذَلِكَ بُطْلَانُ العِبَادَةِ.

وَحَجَبَ عَلَيْهِم عِلْمَ القَضَاءِ وَالْقَدَرِ، وَعَلَّقَهُمْ بَيْنَ الخَوْفِ وَالرَّجَاءِ، وَالطَّمَعِ وَالْوَجَلِ، لِيَبْلُوَ سَعْيَهُمْ وَاجْتِهَادَهُم، وِلِيَمِيزَ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ، وَاللهِ الحُجَّةُ البَالِغَةُ.

وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ شَرَّ القَدَرِ لَا يُكْشَفُ لِلْخَلْقِ، حَتَّى إِذَا دَخَلُوا الجَنَّةَ فَعِنْدَ ذَلِكَ


(١) العقيدة الطحاوية (ص: ٤٩ - ٥٠).
(٢) الانتقاء في فضائل الأئمة الثلاثة الفقهاء لابن عبد البر (ص: ٣١٥).
(٣) سورة الذاريات: (٥٦)، ونقله أيضا في الحُجَّة في بيان المحجة (١/ ١٠٣ - ١٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>