للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَالَ: "وَفِي قَوْلِهِ: (فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى) دَلِيلٌ عَلَى تَقْدِيمِ عِلْمِ اللهِ تَعَالَى بِمَا يَكُونُ مِنْ أَفْعَالِ العِبَادِ وَأَكْسَابِهِمْ، وَصُدُورِهَا عَنْ تَقْدِيرٍ مَنْهُ؛ وَخَلْقٍ لَهَا: خَيْرِهَا وَشَرِّهَا.

وَلَيْسَ مَعْنَى الْقَدَرِ مِنَ اللَّهِ إِجْبَارٌ وَقَهْرٌ لِلْعَبْدِ عَلَى مَا قَضَاهُ وَقَدَّرَهُ.

وَالْقَدَرُ اسْمٌ لِمَا صَدَرَ مُقَدَّرًا عَنْ فِعْلِ القَادِرِ، وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ؛ فَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِمْ مِنْ وَرَاءِ عِلْمِ اللهِ تَعَالَى فِيهِمْ أَفْعَالُهُمْ وَأَكْسَابُهُمْ، وَمُبَاشَرَتُهُمْ تِلْكَ الأُمُور، وَمُلَابَسَتُهُمْ إِيَّاهَا عَنْ قَصْدٍ وَتَعَمُّدٍ، وَتَقْدِيم إِرَادَةٍ وَاخْتِيَارٍ، وَالحُجَّةُ إِنَّمَا تَلْزَمُ بِهَا.

وَجُمْلَةُ القَوْلِ: إِنَّهُمَا أَمْرَانِ لَا يَنْفَكُّ أَحَدُهُمَا عَنِ الْآخَرِ، لِأَنَّ أَحَدَهُمَا بِمَنْزِلَةِ الأَسَاسِ، وَالآخَرَ بِمَنْزِلَةِ البِنَاءِ، فَمَنْ رَامَ الفَضْلَ بَيْنَهُمَا فَقَدْ رَامَ هَدْمَ البِنَاءِ وَنَقْضَهُ، وَإِنَّمَا كَانَ مَوْضِعُ الحُجَّةِ لَازِمًا عَلَى مُوسَى أَنَّ الله سُبْحَانَهُ إِذَا كَانَ قَدْ عَلِمَ مِنْ آدَمَ أَنَّهُ يَتَنَاوَلُ الشَّجَرَةَ، وَيَأْكُلُ مِنْهَا، فَكَيْفَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَرُدَّ عِلْمَ اللهِ فِيهِ؟ وَأَنْ يُبْطِلَهُ بِضِدِّ ذَلِكَ؟!

وَإِنَّمَا أَدْلَى آدَمُ بِالحُجَّةِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى، وَدَفَعَ لَائِمَةَ مُوسَى عَنْ نَفْسِهِ بِهَذَا الوَجْهِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَعَلَى هَذَا يَجِبُ أَنْ يَسْقُطَ الَّلوْمُ عَنْهُ أَصْلًا، قِيلَ: اللَّوْمُ سَاقِطٌ عَنْهُ


= إِنَّما كانَ من مُوسى، وَلَم يَكُن مِن آدَمَ إنكارٌ لِمَا اقْتَرَفَه مِن الذَّنب، إِنَّمَا عَارَضَه بِأَمْرٍ كَانَ فِيهِ دَفْعُ اللَّوم، فَكَانَ أَصْوَبُ الرَّأْيَيْن مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ آدَمُ بِقَضِيَّةِ الْمُصْطَفَى .
وَكُنَّا قَدْ تَأَوَّلنا هَذَا الحَدِيثَ عَلَى غَيْرِ هَذا المُعنَى فِي كِتَابِ معالم السُّنَنِ، وَهَذَا أَوْلَى الوَجْهَيْنِ، والله أعلم".

<<  <  ج: ص:  >  >>