للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا﴾ (١).

وَلَمَّا كَانَ لِكُلِّ صَاحِبِ نِحْلَةٍ قَبِيحَةٍ وَارِثٌ، تَلَقَّفَ أَهْلُ الزَّيْغِ مِنَ الجَبْرِيَّةِ وَمَنْ سَلَكَ سَبِيلَهُمْ مِنْ أَتْباعِ جَهْمٍ هَذِهِ الشُّبْهَةَ، ظَنًّا مِنْهُم أَنَّ ذَلِكَ يُنْجِيهِمْ مِنَ الوَعِيدِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى فِعْل الْمَعَاصِي، فَأَبْطَلَ اللهُ سُبْحَانَهُ هَذِهِ الحُجَّةَ الدَّاحِضَةَ، وَبَيَّنَ أَنَّ لِلْعَبْدِ فِعْلًا خَاصَّا بِهِ يَفْعَلُهُ اخْتِيَارًا، وَلَهُ إِرَادَةٌ وَمَشِيئَةٌ مُسْتَقِلَةٌ كَمَا وَرَدَتْ بِذَلِكَ نُصُوصُ القُرْآنِ وَالسُّنَّةِ النَّبِوِيَّةِ، مِمَّا يَطُولُ اسْتِقْصَاؤُهُ فِي هَذَا الْمَوْطِنِ.

وَمِنْ جُمَلِ شُبَهِ الْقَوْمِ احْتِجَاجُهُمْ بِحَدِيثِ احْتِجَاجِ آدَمَ وَمُوسَى ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى بَاطِلِهِمْ، وَلِذَلِكَ انْبَرَى الإِمَامُ قِوَامُ السُّنَّةِ لِرَدِّ هَذَا عِنْدَ شَرْحِهِ لِلْحَدِيثِ، فَبَيَّنَ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَنْفَكُّ مِنْ قَدَرِهِ، مَعَ أَنَّ لَهُ فِعْلًا يَكْسِبُه مُخْتَارًا بِإِرَادَتِهِ، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ.

قَالَ قِوامُ السُّنَّة التَّيْمِيُّ : وَقَوْلُهُ: (فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى)، لَا انْفِكَاكَ لِلْعَبْدِ مِنَ القَدَرِ، وَإِتْيَانِهِ مُخْتَارًا لِفِعْلِهِ" (٢).

وَأَشْبَعَ الْمُصَنِّفُ القَوْلَ فِي شَرْحٍ هَذَا الحَدِيثِ فِي شَرْحِهِ لِصَحِيحِ مُسْلِمٍ، فَقَدْ نَقَلَ عَنِ الإِمَامِ الخَطَّابِيِّ (٣) اخْتِيَارَهُ فِي تَأْوِيلِ مَعْنَى هَذَا الحَدِيثِ


(١) سورة الأنعام الآية: (١٤٨).
(٢) (٥/ ٣٤٨) من قسم التحقيق.
(٣) كلامه في معالم السنن (٤/ ٣٢٣ - ٣٢٤).
وقَدْ تَرَاجَعَ عَن هَذَا الاخْتِيار فِي شَرْحِه عَلَى صَحِيح البخاري (٣/ ١٥٥٥ - ١٥٥٦)، فقال : "وَحَقيقتُه أَنَّه دَفَعَ حُجَّةَ مُوسى التي ألزم بِها اللَّوم، وذَلِك لأنَّ الابتداء بالمسْألَة والاعْتراضَ=

<<  <  ج: ص:  >  >>