للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَوَاءٌ، وَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ، وَلَا يَحِلُّ أَذَى الجَلِيسِ الْمُسْلِمِ حَيْثُ كَانَ.

وَقَالَ سُحْنُونُ (١): لَا أَرَى الجُمُعَةَ تَجِبُ عَلَى الْمَجْذُومِ، لِأَنَّهُ يَتَأَذَّى بِهِ أَهْلُ الْمَسْجِدِ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ : (مَنْ أَكَلَ هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا)، وَهَذَا الحَدِيثُ أَصْلٌ فِي كُلِّ مَا يُتَأَذَّى بِهِ.

وَفِيهِ (٢): أَنَّ الخُضَرَ كَانَتْ عِنْدَهُمْ بِالْمَدِينَةِ، وَفِي إِجْمَاعِ أَهْلِهَا أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللهِ لَمْ يَأْخُذْ مِنْهَا الزَّكَاةَ، وَلَوْ أَخَذَ مِنْهَا لَمْ يَخْفَ عَلَى جَمِيعِهِمْ، وَلَنْقِلَ ذَلِكَ.

قيل (٣): فِي قَوْلِهِ: (أَنَاجِي مَنْ لَا تُنَاجِي) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ المَلَائِكَةَ أَفْضَلُ مِنْ بني آدم.

وَفِيهِ أَنَّ بَنِي آدَمَ يَلْزَمُ مِنْ بِرَّ بَعْضِهِمْ مَا لَا يَلْزَمُ لِجَمِيعِهِمْ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرُ آكِلَ النَّوْمِ بِاجْتِنَابِ أَهْلِ الْأَسْوَاقِ.

قَالَ مَالِكٌ (٤): مَا سَمِعْتُ فِي أَكْلِ الثَّوْمِ كَرَاهِيَةً فِي دُخُولِ السُّوقِ، وَإِنَّمَا


(١) النوادر والزيادات لابن أبي زيد القيرواني (١/ ٤٥٨).
(٢) ينظر: الموطأ لمالك - رواية الليثي - (١/ ٢٧٦).
(٣) ينظر: شرح صحيح البخاري لابن بطال (٢/ ٤٦٧)، وقد نَسَبهُ هُناكَ إلى المهلَّب بن أبي صُفْرة. قلت: والقولُ بتَفْضِيل الملائِكَة على بَنِي آدَم هُو أَحَدُ الأَقوال الْمَذْكُورة في هَذِه المسألة، ومَذْهَبُ مُحَقِّقي أَهْلِ السُّنَّةِ: أَنَّ صَالحي البَشَر والأَنْبِياء فَقَط أفْضَلُ منَ الملائكة، والقَوْلُ بتفضيل الملائكة مذهب الْمُعْتَزلة، وأَتْبَاعُ الأَشْعريِّ عَلَى قَوْلَين.
وما أروع كلامَ الإِمَام العلامة ابن أبي العزِّ الحنفي في شرح الطحاوية (ص:٢٨١): "وكُنت تَرَدَّدتُ في الكَلامِ عنْ هذِهِ المَسْأَلَة لِقِلَّة تَمْرَتها، وَأَنَّهَا قَرِيبٌ مِمَّا لَا يَعْنِي، وَ"مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرَكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ".
(٤) ينظر: البيان والتحصيل لابن رشد (١/ ٤٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>