للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَنَحْنُ إِذَا سَافَرْنَا تِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا قَصَرْنَا، وَإِنْ زِدْنَا أَتْمَمْنَا) (١).

قِيلَ (٢): إِنَّمَا أَقَامَ النَّبِيُّ تِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا يَقْصُرُ لأَنَّهُ كَانَ مُحَاصِرًا الطَّائِفَ أَوْ حَرْبَ هَوَازِنٍ، فَجَعَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ هَذِهِ الْمُدَّةَ حَدًّا بَيْنَ التَّقْصِيرِ وَالإِتمَامِ.

وَالفُقَهَاءُ لَا يَتَأَوَّلُونَ هَذَا الحَدِيثَ كَمَا تَأَوَّلَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَيَقُولُونَ إِنَّهُ كَانَ فِي هَذِهِ المُدَّةِ عَلَى الاسْتِقْرَارِ، لأَنَّهُ كَانَ يَنتَظِرُ أَنْ يَفْتَحَ ثُمَّ يَرْحَلَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ لَمْ يُرَاعٍ نِيَّتَهُ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ رَوَى جَابِرٌ: (أَنَّ النَّبِيَّ أَقَامَ بِتَبُوكَ عِشْرِينَ لَيْلَةً) (٣).

وَالعُلَمَاءُ مُجْمِعُونَ عَلَى هَذَا لَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ، وَتَأَوَّلَ الفُقَهَاءُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ (٤) أَنَّ إِقَامَتَهُ بِمَكَّةَ لَمْ تَكُنْ اسْتِيطَانًا لَهَا، لِئَلَّا يَكُونَ رُجُوعًا فِي الهِجْرَةِ.

وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ جَعَلَ تِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا حَدًّا لِلتَّقْصِيرِ فَهُوَ مَذْهَبٌ


(١) حديث (رقم ١٠٨٠).
(٢) قاله ابن بطال كما في شرحه للبخاري (٣/ ٦٥ - ٦٦).
(٣) أخرجه عبد الرزاق في المصنف (٢/ ٥٣٢) وأحمد في المسند (٣/ ٢٩٥)، وأبو داود (رقم: ١٢٣٥)، وعبدُ بن حميد كما في المنتخب: (٣٤٥)، وابن حِبَّان في صحيحه كما في الإحسان (٦/ ٤٥٦ و ٤٥٩)، والبيهقي في الكبرى (٣/ ١٥٢) من طريق مَعْمَرٍ عن يَحْيى بن أبي كَثِيرٍ عن محمَّد بن عَبْدِ الرَّحْمنِ بن ثَوْبَان عن جَابِرِ بن عَبْدِ الله به.
قال أبو داود: "غَيْر مَعْمَرٍ لا يُسْنِدُه". وقال البيهقي: "رواه علي بنُ المبارك وغيرُه عن يحيى عن ابن ثَوْبَان عن النَّبِيِّ مُرْسلًا).
قلت: وهو عند ابن أبي شيبة في المصنف (٢/ ٤٥٤).
وبنَحوِه قال الدَّارقطني كما في التلخيص الحبير للحافظ ابن حجر (٢/ ٤٥)، وقال النَّووي في الخَلاصَة: هو حَديثُ صحِيحُ الإِسْنَادِ على شَرطِ البُخاري ومُسْلِمٍ، لا يَقْدَحُ فِيهِ تَفَرُّدُ مَعْمَرٍ، فَإِنَّه ثقةٌ حافِظٌ، فَزِيادَتُه مَقْبُولَة"، وكذا صَحَّحَهُ ابن حَزْمٍ. وينظر: نصب الراية للزيلعي (٢/ ١٢٨).
(٤) حديث (رقم: ١٠٨١).

<<  <  ج: ص:  >  >>