للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(أَعْطَى رَسُولُ اللهِ رَهْطًا وَأَنَا جَالِسٌ فِيهِمْ، فَتَرَكَ رَجُلًا فِيهِمْ لَمْ يُعْطِهِ، وَهُوَ أَعْجَبُهُمْ إِلَيَّ … ) الحَدِيثَ.

قَالَ : قِيلَ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ: (أَوْ مُسْلِمًا) يُوجِبُ الفَرْقَ بَيْنَ الإِيمَانِ وَالإِسْلَامِ، وَقَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ الكَلَامَ فِي ذَلِكَ، وَمِنْ أَحْسَنِ مَا قَالُوا: إِنَّ الإِيمَانَ وَالإِسْلَامَ قَدْ يَجْتَمِعَانِ فِي مَوَاضِعَ، فَيُقَالُ لِلْمُسْلِمِ مُؤْمِنٌ، وَلِلْمُؤْمِنِ مُسْلِمٌ، وَيَفْتَرِفَانِ فِي مَوَاضِعَ، فَلَا يُقَالُ لِكُلِّ مُسْلِمٍ مُؤْمِنٌ، وَيُقَالُ لِكُلِّ مُؤْمِن مُسْلِمٌ.

فَالْمَوْضِعُ الَّذِي يَتَّفِقَـ[ـانِ] فِيهِ هُوَ أَنْ يَسْتَوِيَ الظَّاهِرُ وَالبَاطِنُ، وَالْمَوْضِعُ الَّذِي لَا يَتَّفِقَانِ فِيهِ: أَنْ لَا يَسْتَوِيَا، وَيُقَالُ لَهُ عِنْدَ ذَلِكَ: مُسْلِمٌ أَيْ: مُسْتَسْلِمٌ، وَهُوَ مَعْنَى مَا جَاءَ فِي الحَدِيثِ مِنْ قَوْلِهِ : (أَوْ مُسْلِمًا)، وَكَذَلِكَ مَعْنَى الْآيَةِ فِي قَوْلِهِ ﷿: ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا﴾ (١) أَيْ: اسْتَسْلَمْنَا.

وَفِي الإِسْلَامِ بِمَعْنَى الإِسْتِسْلَامِ: قَوْلٌ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بن نُفَيْلٍ: [مِنَ الْمُتَقَارِب]

أَسْلَمْتُ وَجْهِي لِمَنْ أَسْلَمَتْ … لَهُ الْأَرْضِ تَحْمِلُ صَخْرًا ثِقَالًا" (٢)

وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ مَا قَرَّرَهُ الإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ الإِسْمَاعِيلِيُّ حَيْثُ يَقُولُ: "وقَالَ مِنْهُم: إِنَّ الإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ، وَالإِسْلَامَ فِعْلُ مَا فُرِضَ عَلَى الإِنْسَانِ أَنْ يَفْعَلَهُ، إِذَا ذُكِرَ كُلُّ اسْمٍ مَضْمُومًا إِلَى الْآخَرِ، فَقِيلَ: الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُسْلِمُونَ جَمِيعًا مُفْرَدَيْنِ أُرِيدَ بِأَحَدِهِمَا مَعْنَى لَمْ يُرَدْ بِالآخَرِ، وَإِنْ ذُكِرَ أَحَدُ الإِسْمَيْنِ شَمِلَ الْكُلَّ وَعَمَّهُم" (٣).


(١) سورة الحجرات، الآية (١٤).
(٢) (٣/ ٣٧٣) من قسم التحقيق.
(٣) اعتقاد أئمة الحديث (ص: ٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>