للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في هَذَا الحَدِيثِ دَلِيلٌ أَنَّهُ لَمْ يَكُنِ الكَلَامُ فِي الصَّلَاةِ مَمْنُوعًا عَنْهُ فِي شَرِيعَةِ جُرَيْجٍ، فَلَمَّا لَمْ يُجْبِهَا اسْتُجِيبَ دُعَاءُ أَمِّهِ فِيهِ، وَقَدْ كَانَ الكَلَامُ فِي شَرِيعَتِنَا مُبَاحًا فِي الصَّلَاةِ حَتَّى نَزَلَتْ: ﴿وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾ (١).

قِيلَ: لَا يَجُوزُ بَعْدَ نَسْحَ الكَلَامِ إِذَا دَعَتْهُ أُمُّهُ أَنْ يُجِيبَهَا وَيَقْطَعَ صَلَاتَهُ، لِقَوْلِهِ : (لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الخَالِقِ) (٢)، وَحَقُّ اللهِ فِيمَا شَرَعَ أَلْزَمُ مِنْ حَقِّ الأَبَوَيْنِ، غَيْرَ أَنَّ العُلَمَاءَ يَسْتَحِبُّونَ لَهُ أَنْ يُخَفِّفَ صَلَاتَهُ، وَيُجِيبَ أَبَوَيْهِ.

وَفِي الحَدِيثِ دَلِيلٌ أَنَّ مَنْ أَخَذَ بِالشِّدَّةِ فِي أَمْرِ العِبَادَاتِ كَانَ أَفْضَلَ إِذَا عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ قُوَّةً عَلَى ذَلِكَ، لِأَنَّ جُرَيْجًا رَعَى حَقَّ اللهِ فِي الْتِزَامِ الخُشُوعِ لَهُ فِي صَلَاتِهِ، وَفَضَّلَهُ عَلَى الاسْتِجَابَةِ لأُمِّهِ، فَعَاقَبَهُ اللهُ عَلَى مَا تَرَكَ مِنَ الاسْتِجَابَةِ لَهَا بِمَا ابْتَلَاهُ بِهِ مِنِ ادِّعَاءِ الْمَرْأَةِ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَرَاهُ فَضْلَ مَا آثَرَهُ مِنِ الْتِزَامِ الخُشُوعِ أَنْ جَعَلَ لَهُ آيَةً فِي كَلَام الطَّفْل، فَخَلَّصَهُ بِهَا مِنْ مِحْنَةِ دَعْوَةِ أُمِّهِ عَلَيْهِ.

وَفِي هَذَا الحَدِيثِ: إِجَابَةُ دَعْوَةِ الوَالِدَةِ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ.


(١) سورة البقرة، الآية (٢٣٨).
(٢) أخرجه بهذا اللفظ: الطبراني في المعجم الكبير (١٨/ ١٧٠)، وفي المعجم الأوسط (٤/ ٣٢١ - ٣٢٢)، من طريق الحَسَن البَصْرِي عن عِمْران بن حُصَين به مرفوعا.
وتابعه: محمَّد بنُ سيرين عن عِمْران به مثله، أخرجه القُضَاعي في مسند الشهاب (٢/ ٥٥).
وأخرجه أحمد في المسند (٤/ ٤٣٢) و (٥/ ٦٦ و ٦٧)، والطبراني في الكبير (١٨/ ١٦٥ و ١٧٧ و ٢٢٩)، والحَارِثُ بنُ أُسامة كما في بُغْيَة الباحث (٢/ ٦٣٢) من طرق عن عِمْرَانَ بن حُصَين به نحوه.
وله شاهدٌ في الصَّحِيحَيْن من حديث عليِّ بن أبي طالبٍ : أخرجه البُخاري (رقم: ٧٢٥٧)، ومُسْلِمٌ (رقم: ١٨٤٠) عن علي مَرْفُوعا، ولفظه: (لا طاعَةَ فِي مَعْصِيَة الله، إِنَّمَا الطَّاعَةُ في الْمَعْرُوفِ).

<<  <  ج: ص:  >  >>