للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: (مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ إِتْلَافَهَا) (١) أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَنْ أَخَذَ دَيْنًا وَتَصَدَّقَ بِهِ، وَلَا يَجِدُ مَا يَقْتَضِي بِهِ الدَّيْنَ، فَقَدْ دَخَلَ تَحْتَ هَذَا الوَعِيدِ.

وَقَوْلُهُ: (إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا بِالصَّبْرِ، فَيُؤْثِرَ عَلَى نَفْسِهِ) أَيْ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ فَيَبْقَى مُحْتَاجًا، ثُمَّ لَا يَصْبِرُ عَلَى الفَقْرِ.

وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَقْدِرُ عَلَى الصَّبْرِ عَلَى الفَقْرِ، فَلَمْ يَنْهَهُ النَّبِيُّ عَنِ التَّصَدُّقِ بِجَمِيعِ مَالِهِ، وَعَرَفَ مِنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الصَّبْرُ عَلَى الفَاقَةِ وَالحَاجَةِ فَقَالَ: (أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ) (٢).

وَفِي حَدِيثِهِ: (الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى) (٣) فَضْلُ الْمُعْطِى عَلَى الْآخِذِ.

وَفِي قَوْلِهِ: (وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ) بِالهَمْزِ، وَتَرْكِ الهَمْزِ، وَمَعْنَاهُ: ابْدَأْ بِمَنْ تَمُونُ، أَيْ: بِمَنْ بِيَدِكَ مُؤْنَتُهُ، يُقَالُ: عَالَ العِيَالَ إِذَا مَانَهُمْ.

وقَوْلُهُ: (وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللهُ) شَرْطٌ وَجَزَاءٌ، وَكَذَلِكَ: (وَمَنْ يَسْتَغْن يُغْنِهِ اللهُ) وَعَلَامَةُ الجَزْمِ فِيهِ: حَذْفُ اليَاءِ، وَالفَتْحُ فِي (يَعِفَّهُ اللَّهُ) أَيْ: مَنْ يَطْلُّبِ الغِنَى مِنَ اللهِ يُعْطِهِ الغِنَى، وَمَنْ طَلَبَ العَفَافَ - وَهُوَ تَرْكُ المَسْأَلَة - يُعْطِهِ اللهُ العَفَافَ.


(١) علَّقَه البُخَارِيُّ هُنا في بَاب: لا صدقة إِلَّا عن ظهر غنى، وقد وَصَلَه في كتاب الاستقراض باب: من أَخَذَ أَمْوالَ النَّاسِ يُريد أدَاءَهَا أَوْ إِتْلافها حديث (رقم: ٢٣٨٧).
(٢) جزءٌ من حديث كعب بن مالك الطويل في قِصَّة تَوْبَته، وقد علَّقه البُخاري هنا، وَوَصَلَهُ في كتاب التفسير (رقم: ٤٦٧٧).
(٣) حديث (رقم: ١٤٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>