للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِقَدَرٍ، قَالَ: وَسَمِعْتُ عَبْدَ الله بنَ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ : (كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ، حَتَّى العَجْزُ وَالْكِيسُ، أَوِ الكِيسُ وَالْعَجْزُ) ".

قَالَ ابن أَبِي زَيْدٍ القَيْرَوَانِيُّ : "وَالإِيمَانُ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، حُلْوِهِ وَمُرِّهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ قَدْ قَدَّرَهُ اللهُ رَبُّنَا، وَمَقَادِيرُ الأُمُور بِيَدِهِ، وَمَصْدَرُهَا عَنْ قَضَائِهِ، عَلِمَ كُلَّ شَيْءٍ قَبْلَ كَوْنِهِ؛ فَجَرَى عَلَى قَدَرِهِ، لَا يَكُونُ مِنْ عِبَادِهِ قَوْلٌ وَلَا عَمَلٌ إِلَّا وَقَدْ قَضَاهُ وَسَبَقَ عِلْمُهُ بِهِ ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ (١) ﴿يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ﴾ (٢) فَيَخْذُلُهُ بِعَدْلِهِ، ﴿وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ (٣) فَيُوَفِّقُهُ بِفَضْلِهِ، فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ بِتَيْسِيرِهِ إِلَى مَا سَبَقَ مِنْ عِلْمِهِ وَقَدَرِهِ مِنْ شَقِيٍّ أَوْ سَعِيدٍ، تَعَالَى أَنْ يَكُونَ فِي مُلْكِهِ مَا لَا يُرِيدُ، أَوْ يَكُونَ لِأَحَدٍ عَنْهُ غِنًى، أَوْ يَكُونَ خَالِقٌ لِشَيْءٍ إِلَّا هُوَ رَبُّ العِبَادِ، وَرَبُّ أَعْمَالِهِمْ، وَالْمُقَدِّرُ لِحَرَكَاتِهِمْ وَآجَالِهِمْ" (٤).

وَقَالَ العَلَّامَةُ ابْنُ أَبِي زَمَنْين: "وَمِنْ قَوْلِ أَهِلِ السُّنَّةِ: أَنَّ المَقَادِيرَ كُلَّهَا خَيْرِهَا وشَرَّهَا، حُلْوَهَا وَمُرَّهَا مِنَ الله ﷿ فَإِنَّهُ خَلَقَ الخَلْقَ وَقَدْ عَلِمَ مَا يَعْمَلُونَ وَمَا إِلَيهِ يَصِيرُونَ، فَلَا مَانِعَ لما أَعْطَى، وَلَا مُعْطِيَ لما مَنَعَ" (٥)، ثُمَّ ذَكَرَ الآيَاتِ الدَّالَة علَى هَذَا.

ولَيْس مَعْنَى هَذَا تَرْكَ الالْتِفَاتِ إِلَى العَمَلِ، والتَّوَاكُل المذْمُومِ، فَإِنَّ سُنَّةَ الله


(١) سورة الملك، الآية: (١٤).
(٢) سورة النحل، الآية: (٩٣).
(٣) سورة النحل، الآية: (٩٣).
(٤) مقدمة ابن أبي زيد القيرواني (ص: ٥٧).
(٥) أصول السنة (ص: ١٩٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>