للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ السُّنَنَ تُتَلَقَّى عَلَى ظَاهِرِهَا، وَلَا تُطَلَبُ لَهَا عِلَلٌ إِلَّا إِذَا كُشِفَ عَنْ عِلَلِهَا، وفي [قولِهِ رَضِيَ] (١) اللهُ عَنْهُ: (وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ اسْتَلَمَكَ مَا اسْتَلَمْتُكَ) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ فِي الشَّرْعِ مَا [لا] (٢) يُعْقَلُ مَعْنَاهُ، وَفِيهِ مَا هُوَ مَعْقُولٌ أُوقِفَ عَلَى مَعْنَاهُ.

فَحِينَ لَمْ يَرَ عُمَرُ مِنَ العَقْلِ طَرِيقًا لِلْوُقُوفِ عَلَى مَعْنَى اسْتِلَامِ الحَجَرِ تَرَكَ القِيَاسَ وَصَارَ إِلَى الاتِّبَاعِ، وَلَمَّا رَأَى الرَّمَلَ وَقَدِ ارْتَفَعَ سَبَبُهُ الَّذِي كَانَ أُحْدِثَ مِنْ أَجْلِهِ فِي الزَّمَانِ الأَوَّلِ هَمَّ بِتَرْكِهِ، ثُمَّ صَارَ إِلَى الاِتِّبَاعِ مُتَمَسَّكًا بِهِ، وَقَدْ يَحْدُثُ الشَّيْءُ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ بِسَبَبٍ مِنَ الأَسْبَابِ، فَيُزَالُ ذَلِكَ السَّبَبُ وَلَا يَزُولُ حُكْمُهُ كَالعَرَايَا وَالاِغْتِسَالِ لِلْجُمُعَةِ وَنَظَائِرهما.

وَفِي الحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَفْعَالَ النَّبِيِّ عَلَى الوُجُوبِ حَتَّى يَقُومَ عَلَى خِلَافِهِ دَلِيلٌ (٣).

وَقَوْلُهُ (رَاءَيْنَا المُشْرِكِينَ) أَيْ: أَرَدْنَا أَنْ نُظْهِرَ القُوَّةَ لِلْمُشْرِكِينَ بِالرَّمَل، لِيَعْلَمُوا أَنَّا لَا نَعْجِزُ عَنْ مُقَاوَمَتِهِمْ، وَلَا نَضْعُفُ عَنْ مُحَارَبَتِهِمْ، وَقَدْ أَهْلَكَهُمُ اللهُ ﷿،


(١) في المخطوط خرم، والمثبتُ أوْفَق لسياق الكلام.
(٢) بياضٌ في المخْطُوط بقَدْر كَلِمة، والْمُثْبت أَنْسَب للسِّيَاق.
(٣) يقارن بأعلام الحديث للخطابي (٢/ ٨٧٨ - ٨٧٩).
وهذه المسألةُ خِلافيَّةٌ بين الأُصوليين، والقَولُ الَّذِي عليه مُحَقِّقوهم أَنَّ فِعْلَ النَّبِي إِذَا كَانَ بَيانا لِواجبٍ فهو وَاجِبٌ، وللدكتور محمد سليمان الأشقر دراسةٌ وَافِيَةٌ في هذا الموضوع، نالَ بِها دَرجَةَ الدُّكتوراه من جامعة الأزهر، وطُبِعت بعنوان: "أفعالُ الرَّسول ودلالَتُها على الأَحْكامِ الشَّرعية" في مجلدين.

<<  <  ج: ص:  >  >>