للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنَّهُ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، وَمَنْ كَانَ فِي عِلْمِهِ أَنَّهُ يَمُوتُ كَافِرًا، وُلِدَ عَلَى الكُفْرِ.

وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ (١) أَنَّ الْفِطْرَة هَاهُنَا؛ هِيَ الْفِطْرَةُ الغَرِيزِيَّةُ الَّتِي هِيَ مَوْجُودَةٌ فِي كُلِّ إِنْسَانٍ، فَإِنَّ كُلَّ أَحَدٍ رَجَعَ إِلَى الْفِطْرَةِ الْغَرِيزِيَّةِ عَرَفَ خَالِقَهُ، وَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾ (٢)؛ وهَذِهِ الْمَعْرِفَةُ هِيَ الْمَعْرِفَةُ الَّتِي أَخْبَرَ اللهُ تَعَالَى بِوُجُودِهَا مِنَ الكُفَّارِ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ : ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ (٣)، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ (٤)؛ فَحِينَ ظَهَرَتْ لَهُمْ حَالُ الضَّرُورَةِ، وَانْقَطَعُوا عَنْ أَسْبَابِ الخَلْقِ، وَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ تَعَلُّقٌ بِأَحدٍ، ظَهَرَتْ فِيهِمُ الْمَعْرِفَةُ الغَرِيزِيَّةُ، إِلَّا أَنَّهَا غَيْرُ نَافِعَةٍ، وَإِنَّمَا النَّافِعَةُ هِيَ الْمَعْرِفَةُ الكَسْبِيَّةُ، إِلا أَنَّ الله فَطَرَ النَّاسَ عَلَى الْمَعْرِفَةِ الْغَرِيزِيَّةِ، وَطَلَبَ مِنْهُمُ الْمَعْرِفَةَ الْكَسْبِيَّةَ، وَعَلَّقَ الثَّوَابَ بِهَا وَالْعِقَابَ عَلَى تَرْكِهَا، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: (خَلَقَتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ)، فَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى الْمَعْرِفَةِ الغَرِيزِيَّةِ الَّتِي هِيَ مُرَكَّبَةٌ فِيهِمْ" (٥).

فَهَذَا مُعْتَقَدُ الإِمَامِ قِوَامِ السُّنَّةِ فِي هَذَا الرُّكْنِ مِن أَرْكَانِ الإِيمَانِ، وَقَدْ وُفِّقَ فِيهَا إِلَى الْتِزامِ مَا دَلَّتْ عَلَيهِ الأَدِلَّةُ مِن كِتابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ ، وَمَا


(١) نَقَل الإمامُ قِوام السُّنَّة هذا التوجيه - كما أفاده محقق التحرير - عن شيخه أبي المظفر السمعاني كما في كتابه الحجة (٢/ ٤١)، وذكره قبلهما الخطابي في أعلام الحديث (١/ ٧١٦)، ورَجَّحَهُ ابن عبد البر في الاستذكار (٣/ ١٠١).
(٢) سورة الروم، الآية (٣٠).
(٣) سورة الزمر، الآية (٣٨).
(٤) سورة العنكبوت، الآية (٦٥).
(٥) التحرير في شرح صحيح مسلم (ص: ٦٠٣ - ٦٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>