للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الضَّالَّةِ مِنَ الشِّيعَةِ وَغَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ وَإِنْ كَانُوا بُغَاةً فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا مُجْتَهِدِينَ فِيمَا تَعَاطَوْهُ مِنَ الْقِتَالِ، وَلَيْسَ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبًا، بَلِ الْمُصِيبُ لَهُ أَجْرَانِ، وَالْمُخْطِئُ لَهُ أَجْرٌ … " (١).

ثُمَّ قَالَ: "وَأَمَّا قَوْلُهُ: (يَدْعُوهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ، وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ) فَإِنَّ عَمَّارًا وَأَصْحَابَهُ يَدْعُونَ أَهْلَ الشَّامِ إِلَى الْأُلْفَةِ وَاجْتِمَاعِ الْكَلِمَةِ، وَأَهْلُ الشَّامِ يُرِيدُونَ أَنْ يَسْتَأْثِرُوا بِالْأَمْرِ دُونَ مَنْ هُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَأَنْ يَكُونَ النَّاسُ أَوْزَاعًا عَلَى كُلِّ قُطْرٍ إِمَامٌ بِرَأْسِهِ، وَهَذَا يُؤَدِّي إِلَى افْتِرَاقِ الْكَلِمَةِ، وَاخْتِلَافِ الْأُمَّةِ، فَهُوَ لَازِمُ مَذْهَبِهِمْ وَنَاشِئٌ عَنْ مَسْلَكِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا لَا يَقْصِدُونَهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ" (٢).

وَقَالَ فِي تَفْسِيرِهِ مُؤَكِّدًا هَذَا الْمَعْنَى نَفْسِهِ: "يَقُولُ تَعَالَى آمِرًا بِالإِصْلَاحِ بَيْنَ المُسْلِمِينَ البَاغِينَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا﴾ (٣)، فَسَمَّاهُمْ مُؤْمِنِينَ مَعَ الاقْتِتَالِ.

وَبِهَذَا اسْتَدَلَّ البُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنَ الإِيمَانِ بِالْمَعْصِيَّةِ وَإِنْ عَظُمَتْ، لَا كَمَا يَقُولُهُ الخَوَارِجُ وَمَنْ تَابَعَهُمْ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَنَحْوِهِمْ، وَهَكَذَا ثَبَتَ في صَحِيح البُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ الحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ خَطَبَ يَوْمًا وَمَعَهُ عَلَى الْمِنْبَرِ الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ مَرَّةً وَإِلَى النَّاسِ أُخْرَى وَيَقُولُ: (إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ الله أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ


(١) البداية والنهاية لابن كثير (٤/ ٥٣٨).
(٢) المصدر السابق.
(٣) سورة الحجرات، الآية (٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>