للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَرَّفُوهُ وَبَدَّلُوهُ، وَلَا نُكَذِّبُ بِهِ، فَلَعَلَّهُ يَكُونُ صَحِيحًا، فَنَكُونَ مُنْكِرِينَ لِمَا أُمِرْنَا أَنْ نُؤْمِنَ بِهِ، فَتَقُولُ آمَنَّا بِمَا أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتَابٍ.

وَعَلَى هَذَا تَوَقَّفَ السَّلَفُ رَحِمَهُمُ اللهُ تَعَالَى عَنْ بَعْضِ مَا أُشْكِلَ عَلَيْهِمْ مِنَ الأَحْكَامِ، وَعَلَّقُوا القَوْلَ فِيهِ، كَمَا سُئِلَ عَنْهُ عُثْمَانُ بنُ عَفَّانَ مِنَ الجَمْعِ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ مِنْ مِلْكِ اليَمِينِ، فَقَالَ: (أَحَلَّتْهَا آيَةٌ، وَحَرَّمَتْهَا آيَةٌ) (١).

وَكَمَا سُئِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ رَجُلٍ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ كُلَّ يَوْمِ اثْنَيْنِ، فَوَافَقَ ذَلِكَ يَوْمَ عِيدٍ؟ فَقَالَ: (أَمَرَ اللهُ بِالوَفَاءِ بِالنَّذْرِ، وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ عَنْ صِيَامِ يَوْمِ العِيدِ) (٢).

وَهَذَا مَذْهَبُ مَنْ سَلَكَ طَرِيقَ الوَرَع مِنْهُمْ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُمْ قَدِ اجْتَهَدُوا، وَاعْتَبَرُوا مَعَانِيَ الأُصُولِ، فَرَجَحُوا أَحَدَ الْمَذْهَبَيْنِ عَلَى الْآخَرِ، وَكُلٌّ عَلَى مَا يَنْوِيهِ مِنَ الخَيْرِ مَشْكُورٌ.

وَقَدْ سُئِلَ عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ عَنِ الجَمْعِ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ اليَمِينِ، فَحَرَّمَ الجَمْعَ بَيْنَهُمَا (٣)، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَكْثَرُ الفُقَهَاءِ، وَلِأَنَ قَوْلَهُ: ﴿وَأَنْ


(١) أخرجه مالك في الموطأ - رواية الليثي - (٢/ ٥٣٨)، ومن طريقه عبد الرزاق في المصنف (٧/ ١٨٩)، والشافعي في الأم (٥/ ٤)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (٧/ ١٦٣)، وابنُ أبي شيبة في المصنف (٤/ ١٦٩)، ومُسَدَّد في المسْنَد - كما في المطالب العالية لابن حجر - (٨/ ٤٨٩)، عن الزهري عن قبيصة بن ذُؤَيب عن عُثمان به. ورِجَالُه ثِقَاتٌ.
(٢) أخرجه البخاري (رقم: ١٩٩٤) عن زياد بن جبير عنه به.
(٣) أخرجه سعيد بن منصور في السنن (١/ ٤٤٦)، وابن أبي شَيْبَة في المصنَّف (٤/ ١٦٨)، وابن عبد البر في الاستذكار (٥/ ٤٨٨) من طريقِ مُوسَى بن أَيُّوب، عن إياس بن عَامِرٍ عن علي به.=

<<  <  ج: ص:  >  >>