للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ (١): لَهُ إِجْبَارُهَا فِي الأَحْوَالِ كُلِّهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ﴾ (٢)، وَهَذَا يَقْتَضِي الوُجُوبَ، وَمَا وَجَبَ صَحَّ فِيهِ الإِجْبَارُ.

وَدَلِيلُ الشَّافِعِيِّ قَوْلُهُ: ﴿فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ (٣)، وَذَلِكَ مِنْ أَلْفَاظِ التَّخْيِيرِ، فَسَقَطَ الإِجْبَارُ، وَمَا اسْتَدَلُّوا بِهِ مِنَ الآيَةِ مَحْمُولٌ عَلَى الاِخْتِيَارِ لِخُرُوجِهِ مَخْرَجَ الخَبَرِ دُونَ الأَمْرِ، فَإِذَا أَرَادَتِ الأُمُّ رَضَاعَهُ لَمْ يَكُنْ لِلْأَبِ مَنْعُهَا مِنْهُ لِفَضْلِ شَفَقَتِهَا عَلَيْهِ، وَلإِدْرَارِ اللَّبَنِ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهَا، وَلاسْتِمْرَائِهِ لِلَبَنِهَا.

وَقَالَ أَبُو حَامِدٍ الإِسْفِرَايينِي (٤): لَهُ مَنْعُهَا مِنْ رَضَاعِ وَلَدِهَا، لِمَا اسْتَحَقَّهُ مِنْ اتِّصَالِ الاِسْتِمْتَاعِ بِهَا، إِلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ العُرْفُ مِنْ أَوْقَاتِ النَّوْمِ وَالأَكْلِ، أَوِ الشَّرْعُ مِنْ أَوْقَاتِ العِبَادَاتِ، وَمَا عَدَا هَذَيْنِ حَقٌّ لَهُ، وَوَقْتُ الرَّضَاعَ مِنْهُ، وَكَانَ لَهُ كَفُّهَا عَنْهُ.

قِيلَ: يُنْظَرُ فِي سَبِبِ الْمَنْعِ؛ فَإِنْ كَانَ الْمَنْعُ لِأَجْلِ الاِسْتِمْتَاعِ وَفِي أَوْقَاتِهِ كَانَ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ رَضَاعِهِ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ رَضَاعِهِ، لِأَنَّهُ يَقْصِدُ الضَّرَرَ.

* * *


(١) ينظر: المحلى لابن حزم (١٠/ ١٧٠)، والمغني لابن قدامة (٨/ ٣١٢).
(٢) سورة البقرة، الآية: (٢٣٣).
(٣) سورة الطلاق، الآية: (٠٦).
(٤) ينظر: الحاوي الكبير للماوردي (١١/ ٤٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>