للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَعْضٍ رِوَايَاتِ الحَدِيثِ" (١)، وَلِذَلِكَ فَقَدْ عُنِيَ العُلَمَاءُ بَجَمْع الأَحَادِيثِ، وَتَفْسِيرِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ، وَتَتَابَعَتْ أَقْوَالُهُمْ عَلَى ضَرُورَةِ اعْتِبَارِ هَذَا الضَّابِطِ العَاصِمِ مِنَ الزَّلَلِ فِي فِقْهِ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ، يَقُولُ الإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ : "الحَدِيثُ إِذَا لَمْ تَجْمَعْ طُرُقَهُ لَمْ تَفْهَمْهُ، وَالحَدِيثُ يُفَسِّرُ بَعْضُهُ بَعضًا" (٢).

وَنَصَّ عَلَى اعْتِبَارِهِ الإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ فِي مَعْرِضْ كَلَامِهِ عَنِ الطَّرِيقَةِ الْمُثْلَى لِفَهْم الحَدِيثِ النَّبَوِيِّ عَلَى وَجْهِهِ، فَقَالَ: "تَأْلِيفُ كَلَامِ رَسُولِ اللهِ وَضَمُّ بَعْضِهِ إِلَى بَعْضٍ وَالْأَخْذُ بِجَمِيعِهِ فَرْضٌ لَا يَحِلُّ سِوَاهُ" (٣).

وَهَذَا الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ العَسْقَلانِيُّ وَهُوَ أَحَدُ أَعْظَمِ الأَئِمَّةِ الَّذِينَ اشْتَغَلُوا بِفِقْهِ السُّنَّةِ - يُؤَسِّسُ لِهَذَا الضَّابِطِ الْمُهِمِّ، فَيَقُولُ "إِنَّ الْمُتَعَيِّنَ عَلَى مَنْ يَتَكَلَّمُ عَلَى الأَحَادِيثِ أَنْ يَجْمَعَ طُرُقَهَا، ثُمَّ يَجْمَعَ أَلْفَاظَ المُتُونِ إِذَا صَحتِ الطُّرُقُ، وَيَشْرَحَهَا عَلَى أَنَّهُ حَدِيثٌ وَاحِدٌ، فَإِنَّ الحَدِيثَ أَوْلَى مَا فُسِّرَ بِالحَدِيثِ" (٤).

فَلَا عَجَبَ إِذَنْ أَنْ يَسْلُكَ الْمُصَنِّفُ هَذَا المَسْلَكَ، وَيَحْذُو حَذْوَهُ، بَلْ إِنَّهُ قَدْ وَرَدَ عَنْهُ صَرَاحَةً مَا يَشْهَدُ لِهَذَا المَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ أُولَئِكَ الأَعْلَامُ، وَذَلِكَ فِيمَا نَقَلَهُ عَنْهُ تِلْمِيذُهُ الحَافِظُ أَبُو مُوسَى المَدِينِي فِي كِتَابِهِ "الْمَجْمُوعُ الْمُغِيثُ" عِنْدَ إِيْرَادِهِ لِحَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ : قِيلَ لِعَلِيٍّ : (أَلَا تَتَزَوَّجُ ابْنَةَ


(١) معرفة أنواع علم الحديث لابن الصلاح (ص: ٢٧٤).
(٢) الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي (٢/ ٢١٢).
(٣) المحلى لابن حزم (٣/ ٢٤٠).
(٤) فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر (٦/ ٤٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>