للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَسْخِ القِبْلَةِ، فَقَدْ تَعَارَضَتْ فِيهَا رِوَايَتَانِ: رِوَايَةُ مُجَاهِدِ بنِ جَبْرٍ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى إِلَى بَيْتِ المَقْدِسِ وَهُوَ بِمَكَّةَ، وَرِوَايَةُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْهُ بِخِلَافِ رِوَايَةِ مُجَاهِدٍ.

قَالَ : "فَفِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَلْحَةَ: لَمْ يُصَلِّ إِلَى بَيْتِ المَقْدِسِ إِلَّا بِالمَدِينَةِ، بِخِلَافِ مَا فِي خَبَرِ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنٍ عَبَّاسٍ، وَرِوَايَةُ مُجَاهِدٍ أَوْلَى" (١).

وَوَجْهُ هَذَا التَّرْجِيحِ: أَنَّ رِوَايَةَ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مُنْقَطِعَةٌ، كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي المَرَاسِيلِ (٢)، وَجَزَمَ الأَئِمَّةُ النُّقَّادُ بِأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَإِنَّمَا كَانَتْ رِوَايَتُهُ عَنْهُ وِجَادَةً (٣).

أَمَّا مُجَاهِدُ بْنُ جَبْرٍ فَمَحَلُّهُ مِنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَعْلُومٌ، وَمَقَامُهُ فِي العِلْمِ بِهِ مَشْهُورٌ، بَلْ هُوَ مِنْ أَخَصِّ أَصْحَابِهِ النَّاقِلِينَ عِلْمَهُ وَأَقْوَالَهُ.

وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُ التَّرْجِيحِ آيلًا إِلَى هَذَا الوَجْهِ الأَخِيرِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ، وَهُوَ تَقْدِيمُ رِوَايَةِ التِّلْمِيذِ المُلَازِم لِشَيْخِهِ المُكْثِرِ مِنْ صُحْبَتِهِ عَلَى غَيْرِهِ مِمَّنْ هُوَ


(١) (٢/ ٣٨٣) من قسم التحقيق.
(٢) المراسيل لابن أبي حاتم (ص: ٥٢)
(٣) الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (٦/ ١٩١)، وميزان الاعتدال للذَّهبي (٣/ ١٣٤)، وقال الخليليُّ في الإرشاد (١/ ٣٩٤): "وأجمعَ الحفَّاظُ على أنَّ ابن أبي طلحةَ لم يَسْمَعه من ابنِ عَبَّاس".
ولكن أثنى على روايته عنه كثيرٌ من الأئمَّة، وكانَ البُخاريُّ وأبو حاتم يعْتَمِدون هذه النُّسَخة كما في "العُجَاب في بَيَان الأسباب" لابن حجر (١/ ٢٠٦)، واعتمدها أبو جعفر النحاس كما في "الناسخ والمنسوخ" (١/ ٤٦١)، وقال: "بمصر كتابُ التَّأويل عن مُعاويَة بنِ صَالح، لو جاءَ رجلٌ إلى مِصر فَكَتَبه، ثُم انصرفَ به ما كانت رحلَتُه عِندي ذَهَبَت باطلا".
واعتمدَ هذه الرِّوَاية أيضًا الحافظُ ابنُ حجر في فتح الباري (٨/ ٤٣٨ - ٤٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>