للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ حَسَّانُ بنُ ثَابِتٍ (١): [من الطَّوِيل]

بِأَيْدِي رِجَالٍ هَاجَرُوا نَحْوَ رَبَّهِمْ … وَأَنْصَارِهِ حَقًّا وَأَيْدِي المَلَائِكَ

فَكَأَنَّهُ يَقُولُ لِلْمُهَاجِرِينَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى المَدِينَةِ: مَنْ كَانَتْ مُفَارَقَتُهُ لِلْوَطَنِ، وَتَوَجُّهُهُ إِلَى مَوْضِعٍ آخَرَ لِوَجْهِ اللهِ وَرَسُولِهِ، وَالانْقِطَاعِ إِلَيْهِمَا، وَإِلَى طَاعَتِهِمَا، فَقَدْ وَقَعَ مَوْقِعَهُ، وَاحْتُسِبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِغَيْرِ ذَلِكَ كَانَ مُؤَاخَذًا بِنِيَّتِهِ.

مَعْنَى الحَدِيثِ: كُلُّ عَمَلٍ مَحْسُوبٌ عَلَى مَا يَقْصِدُ إِلَيْهِ عَامِلُهُ، فَالقَاصِدُ بِمُفَارَقَةِ الوَطَنِ رِضَى اللهِ ، وَالارْتِحَالَ إِلَيْهِ مُهَاجِرٌ إِلَيْهِ، مَجْزِيٌّ بِقَدْرِ نِيَّتِهِ، وَالْمُفَارِقُ لَهُ لإِصَابَةِ الدُّنْيَا، وَالتَّزَوُّجِ بِامْرَأَةٍ مُهَاجِرٌ إِلَيْهَا عَلَى مَا قَصَدَهُ.

وَ (الدُّنْيَا): تَأْنِيثُ الأَدْنَى، مِثْلُ: حُبْلَى، لَا يَنْصَرِفُ لاجْتِمَاعِ أَمْرَيْنِ فِيهَا؛ أَحَدُهُمَا: الوَصْفِيَّةُ، وَالثَّانِي: لُزُومُ حَرْفِ التَّأْنِيثِ آخِرَهُ (٢).

وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ الهَمْزَةَ وَالأَلِفَ لَا تُفَارِقَانِ الكَلِمَةَ، وَهَاءُ التَّأْنِيثِ تُفَارِقُ الكَلِمَةَ، أَلَا تَرَى أَنَّكَ تَقُولُ فِي قَائِمَةٍ: قَائِمٌ، وَلَا تَقُولُ فِي حَمْراءَ: حَمْرٌ، وَلَا فِي حُبْلَى: حُبْلٌ، وَلَا فِي دُنْيَا: دُنْيٌ.


= وينظر في سبب نزول الآية: تفسير ابن جرير الطبري (٢٣/ ٤٢٣)، وأسباب النُّزول للواحدي (١/ ٤٢٢).
(١) ديوان حَسَّان بن ثَابت (ص: ٨٥).
(٢) نقل هذه العبارة عن الشارح: الكِرماني في الكواكَب الدَّراري (١/ ١٩)، والحَافظُ ابن حَجَرٍ في فتح الباري (١/ ١٧)، والعَيْنِيُّ في عُمدة القاري (١/ ٢٤)، ونَسَبُوها لَه، وتَعَقَّبُوا كلامَه بما ذَكَره الإمامُ النَّحْوِيُّ ابن مالك في كتابه: "شَوَاهد التوضيح" (ص: ١٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>