للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَصْبَهَانَ، وَقَدْ أَقَامَ بِهَا نَحْوًا مِنْ ثَلَاثِينَ سَنَةً بَعْدَ الخَمْسِمِائَةٍ، يُعَلِّمُ النَّاسَ فُنُونَ العِلْمِ حَتَّى صَدَرُوا عَنْهُ (١).

وَهَكَذَا تَكَوَّنَتْ لِهَذَا الإِمَامِ مَلَكَةٌ عِلْمِيَّةٌ، وَصَارَ يَعْرِضُ مَا أَخَذَهُ عَنْ شُيُوخِهِ بِبَلَدِهِ بِمَا تَلَقَّاهُ فِي رِحْلَتِهِ، وَفِي هَذِهِ الحِكَايَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الإِمَامُ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ جلاءٌ لِهَذِهِ النُّقْطَة:

قَالَ السَّمْعَانِيُّ: "سَمِعْتُ أُسْتَاذِي الإِمَامَ إِسْمَاعِيلَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الحَافِظَ بِأَصْبَهَانَ يَقُولُ: كُنْتُ أَسْتَفِيدُ مِنْ أَبِي سَهْلٍ غَانِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بن عَبْدِ الوَاحِدِ الحَافِظِ، وَأَتَرَدَّدُ إِلَيْهِ فِي صِغَرِي، فَلَمَّا كَبُرْتُ وَسَافَرْتُ، عَلِمْتُ أَنَّ بَعْضَ مَا اسْتَفَدْتُ وَتَعَلَّمْتُ مِنْ أَبِي سَهْل خَطَأٌ، مِنْهَا: أَنِّي سَأَلْتُهُ عَنْ نِسْبَةِ أَحْمَدَ بن عَلِيٍّ الأَبَّارِ الَّذِي يَرْوِي عَنْهُ دَعْلَجُ مِنْ أَحْمَدَ السِّجْزِيُّ، فَقَالَ لِي: هَذِهِ النِّسْبَةُ إِلَى إِبَارِ النَّخْلِ، فَإِنَّهُ كَانَ يُؤَبِّرُ النَّخْلَ، ثُمَّ عَرَفْتُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يُنْسَبُ إِلَى عَمَلِ الإِبَرِ" (٢).

إِنَّ هَذِهِ القِصَّةَ تُبَيِّنُ الْمَنْهَجَ الَّذِي كَانَ يَسْلُكُهُ التَّيْمِيُّ ، إِذْ لَمْ يَكُنْ مُجَرَّدَ حَاطِبٍ لَيْلٍ، بَلْ تَمَيَّزَ بِالنَّقْدِ وَالتَّمْحِيضِ لِكُلِّ مَا يَتَلَقَّاهُ وَيَسْمَعُهُ مِنْ مَشَايِخِهِ، وَتُظْهِرُ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى فَائِدَةً مِنْ فَوَائِدِ الرِّحْلَةِ فِي طَلَبِ العِلْمِ.

* * *


(١) ينظر: التدوين في أخبار قزوين للرافعي (٢/ ٣٠٢).
(٢) الأنساب للسمعاني (١/ ٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>