وَجَعَلَ خَيْرَ خِصَالِهِ: إِطْعَامَ الطَّعَامِ، وَهُوَ مِنْ مَعَاظِمِ العِبَادَاتِ، وَكَذَلِكَ جَعَلَهُ بَدَلًا عَنِ الصَّوْمِ فِي إِجْزَائِهِ عَنِ الكَفَّارَةِ الَّتِي هِيَ لِتَمْحِيصِ الكَبَائِرِ وَمَحْوِ الجَرَائِمِ.
وَالْمُرَادُ: إِطْعَامُ الطَّعَامِ حِينَ لَا تَلْزَمُ الكَفَّارَةُ وَالسَّبَبُ.
وَقَوْلُهُ: (وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ، وَعَلَى مَنْ لَمْ تَعْرِفُ) فِيهِ حَذْفٌ مَفْهُومٌ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ: عَرَفْتَ وَلَمْ تَعْرِفْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ التَّسْلِيمُ عَلَى كُلِّ مَنْ لَقِيَهُ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ كَوْنَهُ مِنْ عُدَاةِ الْمُسْلِمِينَ، بَلْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى غَيْرِ الْمُسْلِمِ (١).
إِلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَفْهُومًا حَذَفَهُ، فَقَدْ قَالَ: السَّلَامُ تَحِيَّةُ الإِسْلَامِ، وَلِأَنَّ السَّلَامَ إِنَّمَا يَكُونُ لِخَالِص وَجْهِ اللهِ ﷾ إِذَا صَدَرَ عَنْ غَيْرِ مَعْرِفَةٍ وَلَا شَفَقَةٍ.
فَأَمَّا إِذَا كُنْتَ عَارِفًا بِالشَّخْصِ؛ فَرُبَّمَا يَكُونُ تَسْلِيمُكَ عَلَيْهِ لِمَعْرِفَتِهِ وَالاتِّصَالِ بِهِ، فَإِذَا سَلَّمْتَ عَلَى مَنْ لَمْ تَسْبِقُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ مَعْرِفَةٌ، ظَهَرَ أَنَّكَ إِنَّمَا سَلَّمْتَ لِوَجْهِ اللهِ تَعَالَى خَالِصًا، وَلِمُرَاعَاةِ أُخُوَّةِ الإِسْلَامِ، وَالْمُوَافَقَةِ فِي مَعْرِفَةِ الشَّرِيعَةِ، فَيَكُونُ حِينَئِذٍ دَاخِلًا في الخِصَالِ الْمَحْمُودَةِ، فَقَوْلُهُ: (عَلَى مَنْ لَمْ تَعْرِفْ) أَيْ: عَلَى مَنْ لَمْ تَعْرِفْهُ إِلَّا بِالإِسْلَامِ، فَأَمَّا مَنْ لَمْ تَقِفْ عَلَى إِسْلَامِهِ، وَشَكَكْتَ فِيهِ فَلَا تَهْرِفْ بِمَا لَا تَعْرِفْ.
(١) مُرادُ الإِمَامِ ابن التَّيمِي ﵀: ابْتِداؤُه بالسَّلامِ كَمَا صَحَّ بِذَلك الحَدِيثُ عَن أَبِي هُرَيرةَ ﵁ مَرْفُوعًا: (لا تَبْدَؤُوا اليَهُودَ وَلَا النَّصَارَى بِالسَّلام، فإذا لَقِيتُم أَحَدَهُم فِي طَريقٍ فَاضْطَرُّوهُ إِلَى أَضْيَقِه). أخرجه مسلم (رقم: ٢١٦٧).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute