للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَ (لَنْ يُشَادَّ الدِّينَ) أَيْ: لَنْ يُغَالِبَ، يُقَالُ: شَادَدْتُهُ أَشَادُّهُ: فَاعَلْتُهُ مِنَ الشِّدَّةِ، كَشَارَرْتُهُ أَشَارُّهُ؛ مِنَ الشَّرِّ، وَكَذَا يَكُونُ فِي كِتَابِ البُخَارِيِّ، (وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ إِلَّا غَلَبَهُ)، وَلَعَلَّهُ سَقَطَ مِنْهُ (أَحَدٌ).

أَيْ: لَنْ يُشَادَّ أَحَدٌ الدِّينَ إِلَّا غَلَبَهُ، وَقَدْ وَرَدَ كَذَلِكَ فِي غَيْرِ الصَّحِيحِ (١).

وَلَوْ رُوِيَ: (لَنْ يُشَادَّ الدِّينُ إِلَّا غَلَبَ) بِلا هَاءٍ لَكَانَ صَحِيحًا، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ فَاعِلًا لِيُشَادَّ (٢)، فَيَكُونُ: كَاتِبٌ وَشَهِيدٌ (٣) مَنْصُوبَي الْمَوْضِعِ.

(فَسَدَّدُوا) أَيْ: الْزَمُوا السَّدَادَ، وَالسَّدَادُ: الصَّوَابُ، وَسَدَّدَ: أَقَامَ عَلَى السَّدَادِ، وَأَسَدَّ: إِذَا جَاءَ بِالسَّدَادِ، كَأَنَّكَ سُدَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْمَعَاصِي.

وَقَوْلُهُ: (وَقَارِبُوا): لَهُ مَعْنَيَانِ لَطِيفَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: قَارِبُوا في العِبَادَة، وَلَا تَتَشَدَّدُوا وَلَا تُبَاعِدُوا فِيهَا؛ فَإِنَّكُمْ وَإِنْ بَاعَدْتُمْ فِي ذَلِكَ لَمْ تَبْلُغُوهُ.

الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: سَاعِدُوا، يُقَالُ: قَارَبْتُ فُلانًا إِذَا سَاعَدْتُهُ، أَيْ: لِيُسَاعِدْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فِي الأُمُورِ (٤)، وَالأَوَّلُ أَقْرَبُ إِلَى الْمَقْصُودِ، وَأَلْيَقُ بِالتَّرْجَمَةِ.


(١) قال الحافِظُ ابن حَجَر في فتح الباري (١/ ٩٤): "ثَبَتَ في رِوَايَةِ ابن السَّكَنِ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنِ الأَصِيلِي بِلَفْظِ: (وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبه)، وَكَذا هُو فِي طُرُقِ هَذا الحَدِيث عِنْد الإسْماعِيلي، وأبي نُعيمٍ، وابن حِبَّان وغَيْرِهم".
(٢) في المخْطُوطِ: (يكون ليشاد فاعل)!! ولَعَلَّ الصَّوَابَ ما أثْبَته.
(٣) يعني في قوله تعالى: ﴿وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ﴾ من سورة البقرة، الآية: (٢٨٢).
ويُنْظُر فِي تَوْجِيهِ هَذَا القَوْل: مُشْكِل إِعْرابِ القُرآن لمكِّي بن أبي طالبٍ (١/ ١٤٥)، والبَحْرِ المحيط لأَبي حَيَّان (٢/ ٣٧٤).
(٤) نَقَل هَذا الكَلامَ: الكِرْمانيُّ في الكَوَاكِب الدَّراري (١/ ١٦٢)، والعَيْنيُّ في عُمْدة القاري (١/ ٢٣٧) =

<<  <  ج: ص:  >  >>