للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيُقَالُ: هُوَ مِنْ وَجِيزِ الأَسْمَاءِ، وَمُخْتَصَرِ الكَلَامِ، وَلَيْسَ فِي كَلَامِ العَرَبِ كَلِمَةٌ مُفْرَدَةٌ تُسْتَوْفَى بِهَا الْعِبَارَةُ عَنْ مَعْنَى هَذِهِ الكَلِمَةِ، كَمَا قَالُوا فِي الفَلَاحِ: لَيْسَ فِي كَلَامِ العَرَبِ كَلِمَةٌ أَجْمَعُ لِخَيْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ مِنْهُ، حَتَّى صَارَ لَيْسَ يَعْدِلُهُ شَيْءٌ مِنَ الكَلَامِ فِي مَعْنَاهُ، وَلِذَلِكَ قَالُوا: أَفْلَحَ الرَّجُلُ: إِذَا فَازَ بِالخَيْرِ الدَّائِمِ الَّذِي لَا انْقِطَاعَ لَهُ.

قَوْلُهُ: (الدِّينُ النَّصِيحَةُ) مَعْنَاهُ: عِمَادُ الدِّينِ وَقِوَامُهُ النَّصِيحَةُ، كَقَوْلِهِ: (الحَجُّ عَرَفَةُ)، أَيْ: عِمَادُهُ وَمُعْظَمُهُ، كَمَا يُقَالُ: النَّاسُ تَمِيمٌ، وَالمَالُ: الإِبِلُ.

وَقَوْلُهُ: (للَّهِ وَلِكِتَابِهِ) فَالنَّصِيحَةُ للهِ مَعْنَاهُ يَنْصَرِفُ إِلَى الْإِيمَانِ بِهِ، وَإِخْلَاصِ العَمَلِ لَهُ فِيمَا أَمَرَ أَوْ نَهَى وَمُوَالَاةِ مَنْ أَطَاعَهُ، وَمُعَادَاةِ مَنْ عَصَاهُ، وَالاعْتِرَافِ بِنِعَمِهِ، وَالشُّكْرِ عَلَيْهَا.

وَحَقِيقَةُ هَذِهِ الإِضَافَةِ رَاجِعَةٌ إِلَى العَبْدِ فِي نَصِيحَةِ نَفْسِهِ لِلَّهِ، وَدَعْوَةِ غَيْرِهِ مِنَ الخَلْقِ إِلَى هَذِهِ الخِصَالِ، فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ غَنِيٌّ عَنْ نُصْحِ كُلِّ نَاصِحٍ.

وَأَمَّا النَّصِيحَةُ لِكِتَابِهِ: فَمَعْنَاهَا الإِيمَانُ بِهِ، وَبِأَنَّهُ كَلَامُ اللهِ وَوَحْيُهُ وَتَنْزِيلُهُ، ثُمَّ إِقَامَةُ حُرُوفِهِ فِي التِّلَاوَةِ، وَالذَّبُّ عَنْهُ فِي تَأْوِيلِ الْمُحَرَّفِينَ، وَطَعْنِ الطَّاعِنِينَ عَلَيْهِ، وَالتَّصْدِيقُ بِوَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ، وَالاعْتِبَارُ بِمَوَاعِظِهِ، وَالتَّفَكُّرُ فِي عَجَائِبِهِ، وَالعَمَلُ بِفَرائِضِهِ وَسُنَنِهِ وَآدَابِهِ، وَالعَمَلُ بِمُحْكَمِهِ، وَالتَّسْلِيمُ بِمُتَشَابِهِهِ، وَالتَّفَقُّهُ فِي عُلُومِهِ.

وَأَمَّا النَّصِيحَةُ لِرَسُولِهِ : فَإِنَّمَا هِيَ تَصْدِيقُهُ، وَقَبُولُ مَا جَاءَ بِهِ، وَدَعَا إِلَيْهِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>