للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الَّتِي فِي المَائِدَةِ (١)، وَالآيَةُ الَّتِي فِي النِّسَاءِ (٢)، وَلَيْسَ التَّيَمُّمُ مَذْكُورًا فِي غَيْرِ هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ، وَهُمَا مَدَنِيَّتَانِ.

وَمَعْلُومٌ أَنَّ غُسْلَ الجَنَابَةِ لَمْ يُفْرَضْ قَبْلَ الوُضُوءِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الصَّلَاةَ فُرِضَتْ بِمَكَّةَ، وَالغُسْلَ مِنَ الجَنَابَةِ، وَأَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ قَطُّ إِلَّا بِوُضُوءٍ مِثْلَ وُضُوئِهِ بِالمَدِينَةِ، وَنَزَلَتْ آيَةُ الوُضُوءِ لِيَكُونَ فَرْضُهَا المُتَقَدِّمُ مِثْلَهُ فِي التَّنْزِيلِ، فَقَوْلُهُ: (نَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ) وَلَمْ يَذْكُرِ الوُضُوءَ، يَدُلُّ أَنَّ الَّذِي طَرَأَ عَلَيْهِمْ مِنَ العِلْمِ فِي ذَلِكَ حُكْمُ التَّيَمُّمِ لا حُكْمُ الوُضُوءِ، وَذَلِكَ رِفْقٌ مِنَ اللهِ تَعَالَى بِعِبَادِهِ بِأَنْ أَبَاحَ لَهُمُ التَّيَمُّمَ بِالصَّعِيدِ عِنْدَ عَدَمِ المَاءِ، وَلِذَلِكَ قَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ: (مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ).

وَفِي قَوْلِهِ: (جُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا) خُصُوصِيَّةٌ لِلنَّبِيِّ ، جُعِلَتْ لَهُ طَهُورًا بِالتَّيَمُّم، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِلْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ.

قِيلَ (٣): كَأَنَّ الْمَعْنَى: جُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَجُعِلَتْ لِغَيْرِي مَسْجِدًا، وَلَمْ تُجْعَلْ لَهُ طَهُورًا، فَقَدْ كَانَ عِيسَى يَسِيحُ فِي الْأَرْضِ وَيُصَلِّي حَيْثُ أَدْرِكَتْهُ الصَّلَاةُ.

وَقَوْلُهُ: (فَأَيُّمَا رَجُلٍ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ) يَعْنِي: يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي، وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى التَّيَمُّمِ عِنْدَ عَدَمِ المَاءِ، وَخَوْفِ فَوْتِ الصَّلَاةِ.


(١) سورة المائدة، الآية: (٠٦).
(٢) سورة النساء، الآية: (٤٣).
(٣) ينظر: شرح صحيح البخاري لابن بطال (١/ ٤٦٩)، وقد نَسَب هذَا القَوْلَ هناك إلى المهَلَّب بن أبي صُفْرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>