وَإِنْ تَلَاهَا مُفْرَدٌ فَهِيَ عَاطِفَةٌ ثُمَّ إنْ تَقَدَّمَهَا أَمْرٌ، أَوْ إيجَابٌ، كَاضْرِبْ زَيْدًا بَلْ عُمْرًا، أَوْ قَامَ زَيْدٌ بَلْ عَمْرٌو، فَهِيَ تَجْعَلُ مَا قَبْلَهَا كَالْمَسْكُوتِ عَنْهُ، وَإِثْبَاتُ الْحُكْمِ لِمَا بَعْدَهَا. وَإِنْ تَقَدَّمَهَا نَفْيٌ أَوْ نَهْيٌ لِتَقْرِيرِ مَا قَبْلَهَا عَلَى حَالَتِهِ وَجَعْلِ ضِدِّهِ لِمَا بَعْدَهَا، نَحْوَ مَا قَامَ زَيْدٌ بَلْ عَمْرٌو، وَلَا يَقُومُ زَيْدٌ بَلْ عَمْرٌو. وَأَجَازَ الْمُبَرِّدُ وَمَنْ تَبِعَهُ أَنْ يَكُونَ مَا قَبْلَهُ مَعْنَى النَّفْيِ وَالنَّهْيِ لَا بَعْدَهَا، فَإِذَا قُلْت: مَا رَأَيْت زَيْدًا بَلْ عَمْرًا بَلْ مَا رَأَيْت عَمْرًا؛ لِأَنَّك إذَا أَضْرَبْت عَنْ مُوجَبٍ فِي رَأَيْت زَيْدًا بَلْ عَمْرًا أَضْرَبْت إلَى مُوجَبٍ، فَكَذَلِكَ تُضْرِبُ عَنْ مَنْفِيٍّ إلَى مَنْفِيٍّ. وَرُدَّ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلِاسْتِعْمَالِ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْقِيَاسِ وَإِذَا تَحَقَّقَ مَعْنَى الْإِضْرَابِ بِطَلَبِ شَبَهِهِ، وَحَقِيقَتُهُ تَرْكُ الشَّيْءِ وَالْأَخْذُ فِي غَيْرِهِ وَهُوَ الثَّانِي.
[مِنْ أَدَوَات الْمَعَانِي مِنْ وَمَا]
[مَنْ وَمَا] قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ، أَصْلُهُمَا وَاحِدٌ إلَّا أَنَّ الْعَرَبَ خَصَّتْ " مَنْ " بِأَهْلِ التَّمْيِيزِ أَوْ مَنْ يَصِحُّ مِنْهُ، وَ " مَا " بِمَنْ سِوَاهُمْ. قَالَ: وَقَدْ تَقُومُ إحْدَاهُمَا مَقَامَ الْأُخْرَى فِي مَعْنَاهَا، وَلَا يُصَارُ إلَيْهَا إلَّا بِدَلِيلٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى} [الليل: ٣] {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} [الشمس: ٥] . وَقَالَ النَّحْوِيُّونَ: " مَا " تَقَعُ لِغَيْرِ الْعَاقِلِ وَعَلَى صِفَاتِ مَنْ يَعْقِلُ، وَقَدْ تَقَعُ عَلَى مُبْهَمِ مَنْ يَعْقِلُ، وَيَتَفَاوَتُ ذَلِكَ بِحَسَبِ ظُهُورِ الْإِبْهَامِ أَوْ صِفَاتِهِ، قَالَ تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ} [النساء: ٣] وَقَالَ: {لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} [الكافرون: ٢] وَتَصَوُّرُ الْإِبْهَامِ فِي الْآيَةِ الْأُولَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute