عَلَى تِلْكَ الْحَقِيقَةِ، لَا أَنَّهَا مَدْلُولُ اللَّفْظِ، وَلِهَذَا قُلْنَا: إنَّ الْمُطْلَقَ يُفَارِقُ الْعَامَّ مِنْ وَجْهٍ، وَيُسَاوِيهِ مِنْ وَجْهٍ.
قَالَ: فَالصَّائِرُونَ إلَى أَنَّهُ إذَا تَطَرَّقَ إلَيْهِ تَقْيِيدٌ لَا يَبْقَى حُجَّةٌ، قَالُوا، لِأَنَّ اللَّفْظَ كَانَ عَامًّا، لِأَنَّهُ تَعَرَّضَ لِحَقِيقَةٍ يَسْتَوِي نِسْبَتُهَا إلَى الْأَعْيَانِ، فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الْحُكْمُ فِي بَعْضِ الْأَعْيَانِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْحَقِيقَةَ الْمُطْلَقَةَ مَا كَانَتْ مُرَادَةً. فَيَكُونُ الْمُرَادُ الْوَاحِدَ بِالذَّاتِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، لِأَنَّ اللَّفْظَ دَالٌّ عَلَى حَقِيقَةٍ مُطْلَقَةٍ، تَسْتَوِي نِسْبَتُهَا. وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ يَتَعَلَّقُ بِهَا. وَلَكِنْ يَجُوزُ أَنْ لَا يَثْبُتَ الْحُكْمُ فِي بَعْضِ الْأَعْيَانِ لَا لِخَلَلٍ فِي الدَّلِيلِ، وَلَا لِمَعْنًى فِي الْمُتَعَلِّقِ، وَهُوَ الْحَقِيقَةُ، بَلْ لِمَعْنًى يَقَعُ مِنْ عَوَارِضِ التَّعْيِينِ، فَيَنْتَفِي الْحُكْمُ مَعَ وُجُودِ الدَّلِيلِ بِالنِّسْبَةِ إلَى تِلْكَ الْحَقِيقَةِ، لِوُجُودِ مُعَارِضٍ دَافِعٍ لِلْحُكْمِ وَهُوَ لَا يُبْطِلُ دَلَالَةَ الدَّلِيلِ إلَّا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ، كَمَا قُلْنَا فِي الْعَامِّ يُخَصُّ. .
[خَاتِمَةٌ الْمُقَيَّدَ لَا يُحْمَلُ عَلَى الْمُطْلَقِ]
خَاتِمَتَانِ الْأَوَّلُ: الْمَعْرُوفُ أَنَّ الْمُقَيَّدَ لَا يُحْمَلُ عَلَى الْمُطْلَقِ. وَوَقَعَ فِي " الْوَسِيطِ " فِي بَابِ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ حَيْثُ احْتَجَّ لِلْقَوْلِ الصَّائِرِ إلَى أَنَّهُ لَوْ تَابَ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ. قَالَ: لِأَنَّهُ تَعَالَى خَصَّصَ هَذَا بِقَوْلِهِ: {مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: ٣٤] ، وَأَطْلَقَ فِي آيَةِ السَّرِقَةِ، قَوْلَهُ: {فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ} [المائدة: ٣٩] . انْتَهَى. وَفِي هَذَا حُمِلَ الْمُقَيَّدُ عَلَى الْمُطْلَقِ، فَإِنَّهُ حَمَلَ آيَةَ الْمُحَارَبَةِ، وَقَدْ وَرَدَ فِيهَا التَّقْيِيدُ، عَلَى مَا وَرَدَ فِيهِ الْأَمْرُ مُطْلَقًا، وَهُوَ السَّرِقَةُ وَهُوَ غَرِيبٌ. ثُمَّ رَأَيْت الْأَصْحَابَ قَدْ حَمَلُوا ذَلِكَ أَيْضًا فِي مَسْحِ الْخُفِّ، فَإِنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَمْسَحُ الْمُقِيمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَالْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهِنَّ»
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute