للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّانِي: مَا أَطْلَقُوهُ مِنْ أَنَّ الْفِعْلَ إذَا وَقَعَ بَيَانًا يَصِيرُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمُبَيِّنِ فِي الْوُجُوبِ أَوْ النَّدْبِ، أَثَارَ فِيهِ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ بَحْثًا، وَهُوَ أَنَّ الْخِطَابَ الْمُجْمَلَ مُبَيَّنٌ بِأَوَّلِ الْأَفْعَالِ وُقُوعًا، فَإِذَا تَبَيَّنَ بِذَلِكَ الْفِعْلِ لَمْ يَكُنْ مَا وَقَعَ بَعْدَهُ بَيَانًا لِوُقُوعِ الْبَيَانِ بِالْأَوَّلِ، فَيَبْقَى فِعْلًا مُجَرَّدًا لَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ.

مِثَالُهُ قَوْلُهُ: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [البقرة: ٤٣] وَصَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ بَعْدَ التَّكْبِيرِ بِدُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ» ، وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ (- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -) «أَنَّهُ افْتَتَحَهَا بَعْدَ التَّكْبِيرِ بِالْفَاتِحَةِ» فَيَتَعَارَضَانِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى وُقُوعِ ذَلِكَ الْفِعْلِ الْمُسْتَدَلِّ بِهِ بَيَانًا، فَيَتَوَقَّفُ الِاسْتِدْلَال بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ عَلَى وُجُودِ ذَلِكَ الدَّلِيلِ، بَلْ قَدْ يَقُومُ الدَّلِيلُ عَلَى خِلَافِهِ كَرِوَايَةِ مَنْ رَأَى فِعْلًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَبَقَنَا لَهُ. هَذِهِ التَّقَاسِيمُ كُلُّهَا فِي الْأَفْعَالِ بَعْدَ السَّمْعِ، وَأَمَّا أَفْعَالُهُ قَبْلَ وُرُودِ السَّمْعِ فَحُكْمُهَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ مُتَعَبَّدٌ بِشَرِيعَةِ مَنْ قَبْلَنَا، وَسَيَأْتِي.

[مَسْأَلَةٌ حُكْمُ التَّأَسِّي بِالرَّسُولِ فِي فِعْلِهِ]

مَسْأَلَةٌ [حُكْمُ التَّأَسِّي بِالرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي فِعْلِهِ] التَّأَسِّي بِالنَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَاجِبٌ فِيمَا سِوَى خَوَاصِّهِ عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر: ٧] وَقَالَ عُمَرُ: لَوْلَا أَنِّي رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ يُقَبِّلُك مَا قَبَّلْتُك. وَقِيلَ: إنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَجِبُ فِي الْعِبَادَاتِ، وَفَسَّرُوا التَّأَسِّي بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا فَعَلَ فِعْلًا عَلَى وَجْهِ الْوُجُوبِ، وَجَبَ عَلَيْنَا أَنْ نَفْعَلَهُ كَذَلِكَ، وَإِنْ فَعَلَهُ عَلَى وَجْهِ الْإِبَاحَةِ أَوْ النَّدْبِ، وَجَبَ عَلَيْنَا اعْتِقَادُ أَنَّهُ كَذَلِكَ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُخَصَّ بِهَذَا مَنْ عَرَفَ الْفِعْلَ وَحُكْمَهُ، إذْ لَوْ وَجَبَ تَحْصِيلُ الْعِلْمِ بِذَلِكَ لَكَانَ تَعَلُّمُ مَسَائِلِ الْفِقْهِ مِنْ فُرُوضِ الْأَعْيَانِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>