للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيُرَادُ غَيْرُهُ، لَكِنْ بِاللَّحْنِ مِنْ الْقَوْلِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ غَيْرُهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [محمد: ٣٠] لِأَنَّهُ قَالَ قَبْلَ ذَلِكَ: {حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ} [محمد: ١٦] . كَانَ الْمُرَادُ أَنَّ مَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَيْسَ بِشَيْءٍ، فَهَذَا هُوَ لَحْنُ الْقَوْلِ، لِأَنَّ قَوْلَهُمْ: مَاذَا قَالَ مُحَمَّدٌ آنِفًا؟ لَمْ يَكُنْ غَرَضُهُمْ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ اسْتِكْشَافَ الْقَوْلِ، وَالْفَحْصَ عَنْ مَعْنَاهُ. وَهَذَا اللَّفْظُ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ ذَلِكَ، لَكِنَّ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ قَدْ يُرَادُ بِهِ مَا قَدَّرْنَاهُ، فَهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ ذَلِكَ، وَكَانَ ذَلِكَ بَيِّنًا فِي لَحْنِ قَوْلِهِمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَهَذَا الْمَفْهُومُ تَارَةً يَكُونُ أَوْلَى بِالْحُكْمِ مِنْ الْمَنْطُوقِ، إمَّا فِي الْأَكْثَرِ كَدَلَالَةِ تَحْرِيمِ التَّأْفِيفِ مِنْ قَوْلِهِ: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: ٢٣] عَلَى تَحْرِيمِ الضَّرْبِ، وَسَائِرِ أَنْوَاعِ الْأَذَى، فَإِنَّ الضَّرْبَ أَكْثَرُ أَذًى مِنْ التَّأْفِيفِ، وَكَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمُسْلِمِينَ: «يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ» ، فَإِنَّهُ يُفْهَمُ ثُبُوتُ الذِّمَّةِ لِأَعْلَاهُمْ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. وَإِمَّا فِي الْأَقَلِّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} [آل عمران: ٧٥] مَفْهُومُهُ أَنَّ أَمَانَتَهُ تَحْصُلُ فِي الدِّرْهَمِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. وَتَارَةً يَكُونُ مُسَاوِيًا، كَدَلَالَةِ جَوَازِ الْمُبَاشَرَةِ مِنْ قَوْلِهِ: {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ} [البقرة: ١٨٧] عَلَى جَوَازِ أَنْ يُصْبِحَ الرَّجُلُ صَائِمًا جُنُبًا، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ، لَمْ يَجُزْ لِلصَّائِمِ مَدُّهُ الْمُبَاشَرَةَ إلَى الطُّلُوعِ، بَلْ وَجَبَ قَطْعُهَا مِقْدَارَ مَا يَسَعُ فِيهِ الْغُسْلُ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ.

[يَنْقَسِمُ مَفْهُوم الْمُوَافَقَةِ إلَى قَطْعِيٍّ]

وَيَنْقَسِمُ إلَى قَطْعِيٍّ لِأَنَّهُ لَا احْتِمَالَ كَآيَةِ التَّأْفِيفِ، وَإِلَى ظَنِّيٍّ وَهُوَ مَا فِيهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>