للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعَقْلِيَّةِ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ وَحَيْثُ الْإِخْبَارُ بِهَا عَنْ صِفَةٍ فِعْلِيَّةٍ، فَالْمُرَادُ تَارَةً الْإِخْبَارُ عَنْ قُدْرَتِهِ عَلَيْهَا فِي الْأَزَلِ، نَحْوَ كَانَ اللَّهُ خَالِقًا وَرَزَّاقًا وَمُحْيِيًا وَمُمِيتًا، وَتَارَةً تَحْقِيقُ نِسْبَتِهِ إلَيْهِ نَحْوَ {وَكُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: ٧٩] وَتَارَةً ابْتِدَاءُ الْفِعْلِ وَإِنْشَاؤُهُ، نَحْوَ {وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ} [القصص: ٥٨] فَالْإِرْثُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِينَ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - مَالِكُ كُلِّ شَيْءٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ، وَحَيْثُ أُخْبِرَ بِهَا عَنْ صِفَاتِ الْآدَمِيِّينَ فَالْمُرَادُ بِهَا التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّهَا غَرِيزِيَّةٌ وَطَبِيعِيَّةٌ نَحْوَ {وَكَانَ الإِنْسَانُ عَجُولا} [الإسراء: ١١] {إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا} [الأحزاب: ٧٢] وَيَدُلُّ عَلَيْهِ {إِنَّ الإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا} [المعارج: ١٩] {إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا} [المعارج: ٢٠] {وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا} [المعارج: ٢١] أَيْ: خُلِقَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ، وَهِيَ حَالٌ مُقَدَّرَةٌ، أَوْ بِالْقُوَّةِ لَمْ يَخْرُجْ إلَى الْفِعْلِ، وَحَيْثُ أُخْبِرَ بِهَا عَنْ أَفْعَالِهِ دَلَّتْ عَلَى اقْتِرَانِ مَضْمُونِ أَمْرِ الْجُمْلَةِ بِالزَّمَانِ نَحْوَ {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} [الأنبياء: ٩٠] وَمِنْ هَذَا الثَّانِي الْحِكَايَةُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَفْظِ " كَانَ " نَحْوَ كَانَ يَقُومُ، وَكَانَ يَفْعَلُ. وَسَنَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ فِي بَابِ الْعُمُومِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

[الْخَامِسَةُ النِّسْبَةُ الْمَنْفِيَّةُ إذَا قُيِّدَتْ بِحَالٍ]

ٍ تَسَلَّطَ النَّفْيُ عَلَى الْحَالِ، وَلِلْعَرَبِ فِيهِ طَرِيقَانِ: أَكْثَرُهُمَا نَفْيُ الْمُقَيَّدِ، وَهُوَ الْحَالُ، فَتَقُولُ: مَا زَيْدٌ أَقْبَلَ ضَاحِكًا فَيَكُونُ الضَّحِكُ مَنْفِيًّا، وَزَيْدٌ قَدْ أَقْبَلَ غَيْرَ ضَاحِكٍ وَالثَّانِي: نَفْيُ الْمُقَيَّدِ وَالْقَيْدِ، فَيَكُونُ زَيْدٌ لَمْ يَضْحَكْ وَلَمْ يُقْبِلْ، وَمِنْ ثَمَّ رُدَّ عَلَى أَبِي الْبَقَاءِ تَجْوِيزُهُ عَمَلَ {بِمُؤْمِنِينَ} فِي الْحَالِ، وَهُوَ {يُخَادِعُونَ} إذْ لَيْسَ مَعْنَى الْآيَةِ نَفْيَ الْخِدَاعِ أَلْبَتَّةَ، وَالْعَجَبُ مِنْهُ كَيْفَ تَنَبَّهَ فَمَنَعَ الصِّفَةَ؟ وَعَلَّلَهُ بِمَا ذَكَرْنَا، وَأَجَازَ الْحَالَ وَلَا فَرْقَ. وَلِأَبِي الْبَقَاءِ أَنْ يَقُولَ: الْفَرْقُ وَاضِحٌ، فَإِذَا قُلْت: مَا زَيْدٌ ضَاحِكٌ رَاكِبًا فَمَعْنَاهُ نَفْيُ الضَّحِكِ فِي حَالِ الرُّكُوبِ، وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ حَالِ

<<  <  ج: ص:  >  >>