أَلْجَأَهُمْ إلَى الْقَوْلِ بِهِ هُنَا أَنَّ الْكَلَامَ النَّفْسِيَّ عِنْدَهُمْ مُسْتَحِيلٌ، وَاللَّفْظِيَّ كَذَلِكَ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ ذَاتُهُ مَحِلًّا لِلْحَوَادِثِ، وَالِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُتَكَلِّمٌ، فَاحْتَاجُوا إلَى أَنْ قَالُوا: سُمِّيَ مُتَكَلِّمًا، لِكَوْنِهِ يَخْلُقُ الْكَلَامَ فِي جِسْمٍ، أُخِذَ مِنْ اعْتِقَادِهِمْ هَذَا جَوَازُ اشْتِقَاقِ الْفَاعِلِ لِشَيْءٍ وَالْفِعْلُ قَائِمٌ بِغَيْرِهِ، وَالْحَقُّ: أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ، لِأَنَّ لَازِمَ الْمَذْهَبِ لَيْسَ بِمَذْهَبٍ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ تُورَدَ الْمَسْأَلَةُ هَكَذَا. فَائِدَةٌ قَدْ يَخْرُجُ عَلَى قَوْلِهِمْ لَا يُشْتَقُّ اسْمُ الْفَاعِلِ لِشَيْءٍ وَالْفِعْلُ قَائِمٌ بِغَيْرِهِ: مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ كَذَا، فَوَكَّلَ مَنْ يَفْعَلُهُ لَا يَحْنَثُ، لِأَنَّ الْفِعْلَ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ فَلَا يُسَمَّى فَاعِلًا، وَكَذَا لَوْ وُكِّلَ بِالْبَيْعِ وَالطَّلَاقِ ثُمَّ قَالَ: وَاَللَّهِ، لَسْت بِبَائِعٍ وَلَا مُطَلِّقٍ هَلْ يَحْنَثُ؟
[مَسْأَلَةٌ دَلَالَةُ الْأَسْمَاءِ الْمُشْتَقَّةِ]
الْأَسْمَاءُ الْمُشْتَقَّةُ لَا تَدُلُّ عَلَى خُصُوصِيَّاتِ الذَّوَاتِ الَّتِي قَامَتْ تِلْكَ الْمَعَانِي بِهَا، بَلْ عَلَى اتِّصَافِهَا بِالْمَصْدَرِ، فَإِذَنْ قَوْلُنَا: " أَسْوَدُ " يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ مَا لَهُ السَّوَادُ. أَيْ: الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الْمَوْجُودَاتِ، وَأَمَّا أَنَّ ذَلِكَ الشَّيْءَ جِسْمٌ فَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ مِنْ اللَّفْظِ، بَلْ بِدَلَالَةِ الْعَقْلِ أَنَّ السَّوَادَ لَا يَقُومُ إلَّا بِجِسْمٍ فَدَلَّ عَلَى الْجِسْمِيَّةِ بِطَرِيقِ الِالْتِزَامِ لَا بِطَرِيقِ الْمُطَابَقَةِ وَالتَّضَمُّنِ، فَنَقُولُ: " ضَارِبٌ " يَدُلُّ عَلَى قِيَامِ الضَّرْبِ بِذَاتٍ، وَأَمَّا أَنَّهَا إنْسَانٌ أَوْ حَيَوَانٌ أَوْ غَيْرُهُمَا فَلَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute