الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّهَا تُفِيدُ الْإِيجَابَ، وَقَالَ قَوْمٌ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ وَأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: إنَّهُ مَوْقُوفٌ فِيهِ إلَى دَلِيلٍ يُعَيِّنُ جِهَةً مِنْ الْجِهَاتِ، لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ الْحَمْلُ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَهُوَ الْخَبَرُ لِأَنَّا نَجِدُ مُطَلَّقَةً لَا تَتَرَبَّصُ، وَجُرْحًا لَا يَقْتَصُّ، وَثَيِّبًا لَا تُشَاوَرُ. وَاللَّفْظُ لَا يَتَعَرَّضُ لِجِهَةٍ أُخْرَى بِالنَّصِّ فَلَا بُدَّ فِي تَعْيِينِ الْجِهَةِ مِنْ دَلِيلٍ. وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ أَنَّهَا خَيْرٌ مِنْ اللَّهِ. فَلَوْ حُمِلَ عَلَى حَقِيقَةِ الْخَبَرِ، لَزِمَ الْخُلْفُ فِي خَبَرِ اللَّهِ، فَوَجَبَ حَمْلُهَا عَلَى إرَادَةِ الْأَمْرِ، كَذَا حَكَاهُ صَاحِبُ " الْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ " وَأَدْخَلَهُ فِي بَابِ الْإِجْمَالِ. .
[مَسْأَلَةٌ حَرْفُ النَّفْيِ قَدْ يَدْخُلُ عَلَى الْمَاهِيَّةِ]
ِ وَالْمُرَادُ نَفْيُ الْأَصْلِ، كَقَوْلِهِ: {لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا} [الواقعة: ٢٥] وَقَوْلُهُ: {فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْهَا} [الجاثية: ٣٥] وَقَدْ يُرَادُ بِهِ نَفْيُ الْكَمَالِ مَعَ بَقَاءِ الْأَصْلِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ} [التوبة: ١٢] ثُمَّ قَالَ: {أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ} [التوبة: ١٣] فَنَفَاهَا أَوَّلًا، ثُمَّ أَثْبَتَهَا ثَانِيًا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ نَفْيَ الْأَصْلِ، بَلْ نَفْيَ الْكَمَالِ. وَهَذَا كُلُّهُ إنَّمَا أُخِذَ مِنْ الْقَرِينَةِ، فَأَمَّا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ كَقَوْلِهِ: «لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» وَ «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ» وَ «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ» ، وَ «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ» وَنَحْوُهُ، فَاخْتَلَفُوا هَلْ هِيَ مُجْمَلَةٌ أَمْ لَا؟ فَنُقِلَ الْإِجْمَالُ عَنْ الْقَاضِيَيْنِ أَبِي بَكْرٍ، وَعَبْدِ الْجَبَّارِ، والْجُبَّائيّيْنِ أَبِي عَلِيٍّ وَابْنِهِ، وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيِّ. قَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ: إلَّا أَنَّ الْجُبَّائِيَّيْنِ ادَّعَيَا الْإِجْمَالَ مِنْ وَجْهٍ، وَالْقَاضِي مِنْ وَجْهٍ آخَرَ. وَقَالَ ابْنُ الْإِبْيَارِيِّ: إنَّمَا صَارَ الْقَاضِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute