للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي كِتَابِ " الْأَيْمَانِ " مِنْ " الْحَاوِي " عِنْدَ الْكَلَامِ فِيمَا " إذَا حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَاءَ النَّهْرِ " أَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ يُسْتَعْمَلَانِ تَارَةً لِلْجِنْسِ، وَلِلْعَهْدِ أُخْرَى، وَأَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِيهِمَا، فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَتْ الْقَرِينَةُ تُصْرَفُ إلَى الْعَهْدِ، وَتَمْنَعُ مِنْ الْحَمْلِ عَلَى الْعُمُومِ، فَهَلَّا جَعَلْتُمْ الْعَامَّ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ مَصْرُوفًا إلَى الْعَهْدِ بِقَرِينَةِ السَّبَبِ الْخَاصِّ، وَقُلْتُمْ: إنَّ الْعِبْرَةَ بِخُصُوصِ السَّبَبِ لَا بِعُمُومِ اللَّفْظِ؟ أُجِيبُ بِأَنَّ تَقَدُّمَ السَّبَبِ الْخَاصِّ قَرِينَةٌ فِي أَنَّهُ لَا يُرَادُ لَا أَنَّ غَيْرَهُ لَيْسَ بِمُرَادٍ، فَنَحْنُ نَعْلَمُهُ بِهَذِهِ الْقَرِينَةِ وَنَقُولُ: دَلَالَةُ هَذَا الْعَامِّ عَلَى مَحَلِّ السَّبَبِ قَطْعِيَّةٌ، وَعَلَى غَيْرِهِ ظَنِّيَّةٌ، إذْ لَيْسَ فِي السَّبَبِ مَا يُثْبِتُهَا وَلَا مَا يَنْفِيهَا.

[مَا يُفِيدُهُ جَمْعُ السَّلَامَةِ وَجَمْعُ التَّكْسِيرِ]

وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُصُولِيِّينَ مُصَرِّحُونَ بِأَنَّ جَمْعَ السَّلَامَةِ لِلتَّكْثِيرِ، كَالْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ، وَقَسَّمَ سِيبَوَيْهِ وَغَيْرُهُ مِنْ النَّحْوِيِّينَ الْجَمْعَ إلَى قِسْمَيْنِ: جَمْعِ سَلَامَةٍ وَهُوَ لِلتَّقْلِيلِ لِلْعَشَرَةِ فَمَا دُونَهَا، وَجَمْعِ تَكْسِيرٍ، وَهُوَ نَوْعَانِ: مَا هُوَ لِلْقِلَّةِ، وَهِيَ أَرْبَعُ صِيَغٍ: أَفْعَالٌ وَأَفْعُلٌ وَأَفْعِلَةٌ وَفِعْلَةٌ، وَالْبَاقِي لِلتَّكْثِيرِ.

إذَا عُرِفَ هَذَا فَقَدْ اسْتَشْكَلَ كَيْفَ يَجْتَمِعُ الْعُمُومُ مَعَ جَمْعِ الْقِلَّةِ، وَالْأَوَّلُ يَسْتَغْرِقُ الْأَفْرَادَ وَالثَّانِي لَا يَسْتَغْرِقُ الْعَشَرَةَ وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا بِوُجُوهٍ:

أَحَدِهِمَا: أَنَّ الْعُمُومَ يَجْمَعُ مَا لَا يَتَجَاوَزُ الْوَاحِدَ، فَاجْتِمَاعُ الْعُمُومِ مَعَ مَا لَا يَتَجَاوَزُ الْعَشَرَةَ أَوْلَى، فَإِذَا قُلْت: أَكْرِمْ الزَّيْدَيْنِ، فَمَعْنَاهُ أَكْرِمْ كُلَّ وَاحِدٍ مُجْتَمِعٍ مَعَ تِسْعَةٍ، أَوْ دُونَهَا إلَى اثْنَيْنِ بِخِلَافِ أَكْرِمْ الرِّجَالَ، فَمَعْنَاهُ أَكْرِمْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُنْضَمٍّ إلَى عَشَرَةٍ فَأَكْثَرَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>