للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْفَصْلُ الثَّانِي فِيمَا يَنْعَقِدُ عَنْهُ الْإِجْمَاعُ]

ُ: وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُسْتَنَدٍ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْإِجْمَاعِ لَيْسَتْ لَهُمْ رُتْبَةُ الِاسْتِقْلَالِ بِإِثْبَاتِ الْأَحْكَامِ، وَإِنَّمَا يُثْبِتُونَهَا نَظَرًا إلَى أَدِلَّتِهَا وَمَأْخَذِهَا، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ عَنْ مُسْتَنَدٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ انْعَقَدَ مِنْ غَيْرِ مُسْتَنَدٍ لَاقْتَضَى إثْبَاتَ الشَّرْعِ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ بَاطِلٌ. وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي بَابِ الْقِرَاضِ مِنْ النِّهَايَةِ " عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: الْإِجْمَاعُ إنْ كَانَ حُجَّةً قَاطِعَةً سَمْعِيَّةً، فَلَا يَحْكُمُ أَهْلُ الْإِجْمَاعِ بِإِجْمَاعِهِمْ، وَإِنَّمَا يَصْدُرُ الْإِجْمَاعُ عَنْ أَصْلٍ اهـ.

وَحَكَى عَبْدُ الْجَبَّارِ عَنْ قَوْمٍ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَحْصُلَ بِالْبَخْتِ وَالْمُصَادَفَةِ، بِأَنْ يُوَفِّقَهُمْ اللَّهُ لِاخْتِيَارِ الصَّوَابِ مِنْ غَيْرِ مُسْتَنَدٍ، وَهُوَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ مِنْ الْبَخْتِ، وَهُوَ التَّوْفِيقُ، وَغَلِطَ صَاحِبُ التَّحْصِيلِ فَظَنَّهُ بِمَعْنَى الشُّبْهَةِ، وَهُوَ فَاسِدٌ، فَإِنَّ مَعْنَاهُ: يَجُوزُ أَنْ يَحْصُلَ عَنْ تَوْفِيقٍ مِنْ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ، بِغَيْرِ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ دَلَّهُمْ عَلَى ذَلِكَ بِأَنْ يُوَفِّقَ اللَّهُ لِلصَّوَابِ بِالْإِلْهَامِ لِقَوْلِهِ: «مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ» وَهُوَ ضَعِيفٌ، لَا يَجُوزُ الْقَوْلُ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى بِغَيْرِ دَلِيلٍ، وَقَدْ يُتَرْجِمُ الْمَسْأَلَةَ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ حُصُولُ الْإِجْمَاعِ إلَّا عَنْ تَوْقِيفٍ وَمُسْتَنَدٍ، وَذَكَرَ الْآمِدِيُّ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْجَوَازِ لَا فِي الْوُقُوعِ، وَلَيْسَ كَمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>