للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا} [الإسراء: ٢٥] فَالْأَوَّابُونَ عَامٌّ فِي كُلِّ أَوَّابٍ مَاضِيًا كَانَ أَوْ حَاضِرًا أَوْ مُسْتَقْبَلًا قَالَ: فَيَجِبُ فِي هَذَا الْعُمُومِ أَنْ يُخَصَّصَ بِنَا، وَالْعِدَّةُ بِالْغُفْرَانِ لِمَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ الْمُخَاطَبِينَ فِي قَوْله تَعَالَى: (إنْ تَكُونُوا) وَلَا يَعُمُّ هَذَا جَمِيعَ الْخَلَائِقِ وَلَا جَمِيعَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ فِي ذَلِكَ، لِأَنَّ التَّعَالِيقَ اللُّغَوِيَّةَ أَسْبَابٌ، وَالْجَزَاءُ الْمُرَتَّبُ عَلَيْهَا أَسْبَابُ تِلْكَ التَّعَالِيقِ، وَصَلَاحُ الْمُخَاطَبِينَ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِصَلَاحِ غَيْرِهِمْ مِنْ الْأُمَمِ، لِأَنَّ عَمَلَ كُلِّ وَاحِدٍ تَخْتَصُّ فَائِدَتُهُ بِهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: ٣٩] وَإِذَا لَمْ يَكُنْ شَرْطًا فَالْحَقُّ الْعُمُومُ. حَكَاهُ الْأَصْفَهَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمَحْصُولِ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ. ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ تَفْصِيلٌ حَسَنٌ، لَا بَأْسَ بِهِ. قُلْت: وَارْتَضَاهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وَالْقَرَافِيُّ.

[تَحْقِيقُ مُرَادِهِمْ بِالسَّبَبِ]

الرَّابِعُ: لَيْسَ الْمُرَادُ بِالسَّبَبِ هُنَا السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلْحُكْمِ، كَزَنَى مَاعِزٌ فَرُجِمَ؛ بَلْ السَّبَبُ فِي الْجَوَابِ. قَالَهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ. وَسَبَقَ مَنْقُولُ أَبِي الْحُسَيْنِ بْنُ الْقَطَّانِ عَنْ الْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ صَاحِبُ الْمَصَادِرِ: لَيْسَ الْمُرَادُ بِالسَّبَبِ هُنَا مَا يُوَلِّدُ الْفِعْلَ، بَلْ الْمُرَادُ بِهِ الدَّاعِي إلَى الْخِطَابِ بِذَلِكَ الْقَوْلِ، وَالْبَاعِثِ عَلَيْهِ. فَعَلَى هَذَا لَا بُدَّ فِي خِطَابِ الْحُكْمِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَقْصُورًا عَلَى سَبَبِهِ، أَيْ دَاعِيَتُهُ، وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ فِي " اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ " كَمَا سَبَقَ فِي بِئْرِ بُضَاعَةَ يُصَرِّحُ بِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالسَّبَبِ عَيْنَ مَا وَقَعَ الْحُكْمُ بِسَبَبِهِ، بَلْ هُوَ أَوْ مِثْلُهُ، أَوْ مَا هُوَ أَوْلَى بِالْحُكْمِ مِنْهُ، حَيْثُ قَالَ: وَكَانَ الْعِلْمُ أَنَّهُ عَلَى مِثْلِهَا أَوْ أَكْثَرَ مِنْهَا. وَمِنْ هُنَا قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا مُتَمَسِّكَ لِلْمُسْتَدِلِّينَ بِآيَةِ السَّرِقَةِ، وَاللِّعَانِ، وَالظِّهَارِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>