مِنْ الْخِلَافِ فِي أَنَّ الزِّيَادَةَ نَسْخٌ أَوْ بَيَانٌ؟ فَالشَّافِعِيُّ يَرَى أَنَّهُ بَيَانٌ، وَمَا وَرَدَ مِمَّا يُوهِمُ النَّسْخَ جَعَلَهُ مِنْ قِسْمِ الْبَيَانِ. وَعِنْدَنَا أَنَّ الزِّيَادَةَ نَسْخٌ، فَاضْطُرِرْنَا إلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ نَسْخِ السُّنَّةِ بِالْكِتَابِ وَبِالْعَكْسِ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنَيَّر فِي " شَرْحِ الْبُرْهَانِ ": طَرِيقُ النَّظَرِ عِنْدِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ غَيْرُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُونَ، وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ أَمْرٌ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ، وَجَفَّ بِهِ الْقَلَمُ، فَلَا تَتَوَقَّعْ فِيهِ الزِّيَادَةَ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُسْمَعَ النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَإِنْ لَمْ نَجِدْ شَيْئًا مِنْ الَّذِي نُسِخَ بِالسُّنَّةِ، وَلَا الْعَكْسِ، قَطَعْنَا بِالْوَاقِعِ، وَاسْتَغْنَيْنَا عَنْ الْكَلَامِ عَلَى الزَّائِدِ، لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ أَبَدًا. قَالَ: وَهَا هُنَا مَزَلَّةُ قَدَمٍ لَا بُدَّ مِنْ التَّنْبِيهِ عَلَيْهَا، وَذَلِكَ أَنَّا قَدْ نَجِدُ حُكْمًا مِنْ السُّنَّةِ مَنْسُوخًا، وَنَجِدُ فِي الْكِتَابِ حُكْمًا مُضَادًّا لِذَلِكَ الْمَنْسُوخِ، فَيَسْبِقُ الْوَهْمُ إلَى أَنَّهُ النَّاسِخُ، وَهَذَا غَيْرُ لَازِمٍ، لِأَنَّا قَدْ نَجِدُ فِي السُّنَّةِ نَاسِخًا، فَلَعَلَّ الْمَوْجُودَ فِي السُّنَّةِ هُوَ الَّذِي نَسَخَ، وَالْمَوْجُودَ فِي الْكِتَابِ نَزَلَ بَعْدَ أَنْ اسْتَقَرَّ النَّسْخُ، فَلَا يَتَعَيَّنُ كَوْنُ ذَلِكَ هُوَ النَّاسِخُ، ثُمَّ نُتْبِعُ ذَلِكَ بِالْأَمْثِلَةِ. .
[مَسْأَلَةٌ ورود السُّنَّةُ بَيَانًا لِمُجْمَلِ الْكِتَابِ]
مَسْأَلَةٌ
إذَا وَرَدَتْ السُّنَّةُ بَيَانًا لِمُجْمَلِ الْكِتَابِ، كَقَوْلِهِ: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: ٦] وَبَيَّنَ الرَّسُولُ الْوُضُوءَ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا وُضُوءٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلَاةَ إلَّا بِهِ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ: فَمَا كَانَ مِنْ السُّنَّةِ مِنْ هَذَا النَّوْعِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُنْسَخَ بِالسُّنَّةِ، لِأَنَّ الْفَرْضَ إنَّمَا ثَبَتَ بِالْكِتَابِ لَا بِالسُّنَّةِ. قَالَ: وَكَذَلِكَ مَا وَرَدَ فِي الْكِتَابِ مُجْمَلًا فَفَسَّرَتْهُ السُّنَّةُ، أَوْ عَامًّا فَخَصَّصَتْهُ، أَوْ مُتَشَابِهًا أَوْ بَيَانًا لِلنَّاسِخِ مِنْ الْمَنْسُوخِ، مِثْلُ: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: ٤٣] فَلَا يَجُوزُ نَسْخُ ذَلِكَ بِالسُّنَّةِ فِيمَا كَانَ بَيَانًا لِلْجُمْلَةِ الَّتِي اُحْتِيجَ إلَى تَفْسِيرِهَا، فَأَمَّا مَا ضُمَّ هُوَ إلَيْهَا، فَيَجُوزُ نَسْخُهُ بِالسُّنَّةِ. .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute