[شُرُوطٌ التَّرْجِيحِ]
ثُمَّ لِلتَّرْجِيحِ شُرُوطٌ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ بَيِّنَ الْأَدِلَّةِ، فَالدَّعَاوَى لَا يَدْخُلُهَا التَّرْجِيحُ وَانْبَنَى عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَجْرِي فِي الْمَذَاهِبِ، لِأَنَّهَا دَعَاوَى مَحْضَةٌ تَحْتَاجُ إلَى الدَّلِيلِ وَالتَّرْجِيحُ بَيَانُ اخْتِصَاصِ الدَّلِيلِ بِمَزِيدِ قُوَّةٍ فَلَيْسَ هُوَ دَلِيلًا، وَإِنَّمَا هُوَ قُوَّةٌ فِي الدَّلِيلِ وَحَكَى عَبْدُ الْجَبَّارِ فِي الْعُمْدَةِ " عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِمْ دُخُولَ التَّرْجِيحِ مِنْهَا، وَضَعُفَ بِأَنَّ التَّرْجِيحَ يَنْشَأُ مِنْ مُنْتَهَى الدَّلِيلِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ دَلِيلًا لَمْ يَثْبُتْ التَّرْجِيحُ وَالْحَقُّ أَنَّ التَّرْجِيحَ يَدْخُلُ الْمَذَاهِبَ بِاعْتِبَارِ أُصُولِهَا وَنَوَادِرِهَا وَبَيَانِهَا، فَإِنَّ بَعْضَهَا قَدْ يَكُونُ أَرْجَحَ مِنْ بَعْضٍ، وَلِذَلِكَ جَرَى التَّرْجِيحُ فِي الْبَيِّنَاتِ وَأَمَّا إذَا تَعَارَضَ عِنْدَ عَامِّيٍّ قَوْلُ مُجْتَهِدَيْنِ، وَقُلْنَا: يَجِبُ تَقْلِيدُ الْأَعَمِّ، فَلَيْسَ هُوَ مِنْ بَابِ التَّرْجِيحِ.
الثَّانِي: قَبُولُ الْأَدِلَّةِ التَّعَارُضَ فِي الظَّاهِرِ، وَيُبْنَى عَلَيْهِ مَسَائِلُ: (أَحَدُهَا) : أَنَّهُ لَا مَجَالَ لَهُ فِي الْقَطْعِيَّاتِ، لِأَنَّ التَّرْجِيحَ عِبَارَةٌ عَنْ تَقْوِيَةِ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ عَلَى الْآخَرِ كَيْ يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ صِحَّتُهُ وَالْأَخْبَارُ الْمُتَوَاتِرَةُ مَقْطُوعٌ بِهَا فَلَا يُفِيدُ التَّرْجِيحُ فِيهَا شَيْئًا وَمَا يُوجَدُ مِنْ ذَلِكَ فِي كُتُبِ الْمُتَكَلِّمِينَ فَإِنَّمَا هُوَ تَعَارُضٌ بَيْنَ دَلِيلٍ وَشِبْهِهِ، وَهَذَا وَإِنْ أَطْبَقُوا عَلَيْهِ لَكِنْ سَبَقَ أَنَّ التَّعَادُلَ بَيْنَ الْقَطْعِيَّيْنِ مُمْكِنٌ فِي الْأَذْهَانِ، فَهَلَّا قِيلَ: يَتَطَرَّقُ التَّرْجِيحُ إلَيْهِ، بِنَاءً عَلَى هَذَا التَّعَارُضِ، كَمَا فِي الْأَمَارَاتِ ثُمَّ رَأَيْت أَبَا الْحُسَيْنِ صَرَّحَ بِأَنَّ الْعِلَّةَ الْمَعْلُومَةَ تَقْبَلُ التَّرْجِيحَ، وَلَا شَكَّ فِي جَرَيَانِ هَذَا النَّصِّ، وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ وَلَا بُعْدَ فِيهِ، فَإِنَّ مَا مُقَدَّمَاتُهُ أَعْلَى وَأَوْضَحُ رَاجِحًا عَلَى مَا لَيْسَ كَذَلِكَ وَرَأَيْت الْقَاضِي فِي التَّقْرِيبِ " صَرَّحَ بِأَنَّهُ مَنَعَ ذَلِكَ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعُلُومَ لَا تَتَفَاوَتُ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ خِلَافِيَّةٌ سَبَقَتْ أَوَّلَ الْكِتَابِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute