وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُخَرَّجَ لِلشَّافِعِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ مِنْ اخْتِلَافِ قَوْلِهِ إنَّ الْمُعْتَادَةَ الْمُمَيَّزَةَ هَلْ يُحْكَمُ لَهَا بِالتَّمَيُّزِ، أَوْ تُرَدُّ إلَى الْعَادَةِ كَغَيْرِهَا؟ وَسَبَبُهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ: «دَعِي الصَّلَاةَ قَدْرَ الْأَيَّامِ الَّتِي كُنْتِ تَحِيضِينَ فِيهَا، ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي» ، فَرَدَّهَا إلَى الْعَادَةِ، وَلَمْ يَسْأَلْهَا: هَلْ هِيَ مُمَيِّزَةٌ أَمْ لَا، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ لِلْعَادَةِ مُطْلَقًا كَمَا هُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ، لَكِنْ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ يُحْكَمُ بِالتَّمْيِيزِ، وَقَدْ تَعَاكَسَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ مَسْأَلَةِ غَيْلَانَ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ حَمَلَ حَدِيثَ غَيْلَانَ عَلَى التَّعَاقُبِ، وَالشَّافِعِيُّ حَمَلَهُ عَلَى الْعُمُومِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ حَمَلَ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى الْعُمُومِ، وَالشَّافِعِيُّ حَمَلَهُ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ مُمَيِّزَةً بِحَدِيثٍ وَرَدَ فِيهِ سَبْقُ ذِكْرِهِ.
[الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ الْمُقْتَضَى هَلْ هُوَ عَامٌّ أَمْ لَا]
[الْمَسْأَلَةُ] الرَّابِعَةُ
فِي أَنَّ الْمُقْتَضَى هَلْ هُوَ عَامٌّ أَمْ لَا؟ وَلَا بُدَّ مِنْ تَحْرِيرِ تَصْوِيرِهِ قَبْلَ نَصْبِ الْخِلَافِ، فَنَقُولُ: الْمُقْتَضِي بِكَسْرِ الضَّادِ هُوَ اللَّفْظُ الطَّالِبُ لِلْإِضْمَارِ، بِمَعْنَى أَنَّ اللَّفْظَ لَا يَسْتَقِيمُ إلَّا بِإِضْمَارِ شَيْءٍ، وَهُنَاكَ مُضْمَرَاتٌ مُتَعَدِّدَةٌ، فَهَلْ لَهُ عُمُومٌ فِي جَمِيعِهَا أَوْ لَا يَعُمُّ، بَلْ يُكْتَفَى بِوَاحِدٍ مِنْهَا؟ وَأَمَّا الْمُقْتَضَى بِالْفَتْحِ فَهُوَ ذَلِكَ الْمُضْمَرِ نَفْسُهُ، هَلْ نُقَدِّرُهُ عَامًّا، أَمْ نَكْتَفِي بِخَاصٍّ مِنْهُ؟ إذَا عَرَفْتَ هَذَا فَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ فِي " اللُّمَعِ وَشَرْحِهَا وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي " الْقَوَاطِعِ " أَنَّ الْكَلَامَ إنَّمَا هُوَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي حَيْثُ قَالَا: الْخِطَابُ الَّذِي يَفْتَقِرُ إلَى الْإِضْمَارِ لَا يَجُوزُ دَعْوَى الْعُمُومِ فِي إضْمَارِهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: ١٩٧] فَإِنَّهُ يَفْتَقِرُ إلَى إضْمَارٍ، فَبَعْضُهُمْ يُضْمِرُ " وَقْتُ إحْرَامِ الْحَجِّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ "، وَبَعْضُهُمْ يُضْمِرُ " وَقْتُ إفْعَالِ الْحَجِّ "، وَالْحَمْلُ عَلَى الْعُمُومِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute