للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَمَّا الْأَوَّلُ: فَهُوَ إعْطَاءُ الْمَوْجُودِ حُكْمَ الْمَعْدُومِ كَالْمَاءِ فِي حَقِّ الْمَرِيضِ الْخَائِفِ.

وَعَكْسُهُ كَالْمَقْتُولِ يُورَثُ عَنْهُ الدِّيَةُ، وَإِنَّمَا تَجِبُ بِمَوْتِهِ وَلَا يُورَثُ عَنْهُ إلَّا إذَا دَخَلَتْ فِي مِلْكِهِ، وَبَعْدَ مَوْتِهِ لَا يَمْلِكُ فَيُقَدِّرُ دُخُولَهَا فِي مِلْكِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ حَتَّى يَنْتَقِلَ لِوَارِثِهِ. فَقَدَّرْنَا الْمَعْدُومَ مَوْجُودًا لِلضَّرُورَةِ.

وَقَالَ ابْنُ التِّلِمْسَانِيِّ: الْحُكْمُ التَّقْدِيرِيُّ يَنْقَسِمُ إلَى تَقْدِيرِ صِفَةٍ شَرْعِيَّةٍ فِي الْمَحَلِّ يَظْهَرُ أَثَرُهَا، كَتَقْدِيرِ مِلْكِ النِّكَاحِ وَالْيَمِينِ، وَإِلَى تَقْدِيرِ أَعْيَانٍ مَحْسُوسَةٍ كَتَقْدِيرِ الدَّرَاهِمِ فِي الذِّمَّةِ، قَالَ: وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ لَا يُثْبِتُ هَذِهِ التَّقَادِيرَ، وَيَقُولُ: حُكْمُ الْفَرْعِ فِي الْمَحَلِّ هُوَ نَفْسُ مَا ادَّعَى كَوْنَهُ أَمْرًا. أَمَّا تَقْدِيرُ صِفَاتِ مُوجِبِهِ لَهَا، فَإِثْبَاتُ مَا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَمِنْ هَذَا النَّمَطِ قَوْلُهُمْ: الْحَدَثُ أَمْرٌ مُقَدَّرٌ فِي أَعْضَاءِ الْمُحْدِثِ أَثَرُهُ الْمَنْعُ مِنْ الصَّلَاةِ.

وَأَمَّا الْحِجَاجُ: فَهِيَ الَّتِي يَسْتَنِدُ إلَيْهَا الْقُضَاةُ فِي الْأَحْكَامِ، كَالْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارِ وَالْيَمِينِ مَعَ النُّكُولِ، أَوْ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ، فَإِذَا نَهَضَتْ تِلْكَ الْحُجَّةُ عِنْدَ الْقَاضِي وَجَبَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ، وَهَذَا فِي الْحَقِيقَةِ رَاجِعٌ إلَى السَّبَبِ.

[مَسْأَلَة الصِّحَّة وَالْفَسَادِ]

الصِّحَّةُ وَالْفَسَادُ: مِنْ أَنْوَاعِ خِطَابِ الْوَضْعِ لِأَنَّهُمَا حُكْمٌ مِنْ الشَّارِعِ عَلَى الْعِبَادَاتِ وَالْعُقُودِ، وَيُبْنَى عَلَيْهَا أَحْكَامٌ شَرْعِيَّةٌ. وَنَازَعَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي كَوْنِ ذَلِكَ حُكْمًا شَرْعِيًّا، وَقَالَ: إذَا كَانَتْ الصِّحَّةُ هِيَ الْمُطَابَقَةُ وَالْمُوَافَقَةُ لِمُقْتَضَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْأَمْرُ، فَالْمُطَابَقَةُ وَالْمُوَافَقَةُ أَمْرٌ عَقْلِيٌّ اعْتِبَارِيٌّ لَيْسَ مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فِي شَيْءٍ، بَلْ نَوْعُ نَسَبٍ وَإِضَافَةٍ إلَى مُوَافَقَةِ الْأَمْرِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>