وَثَانِيهِمَا: دُونَهُ، كَقَوْلِهِ: «لَا يَقْضِي الْقَاضِي وَهُوَ غَضْبَانُ» هَذَا كَلَامُ ابْنِ السَّمْعَانِيِّ. وَقَسَّمَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ قِيَاسَ الْعِلَّةِ إلَى: جَلِيٍّ وَوَاضِحٍ وَخَفِيٍّ قَالَ: " فَالْجَلِيُّ " مَا عُرِفَتْ عِلَّتُهُ قَطْعًا إمَّا نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ. وَ " الْوَاضِحُ " مَا ثَبَتَتْ عِلَّتُهُ بِضَرْبٍ مِنْ الظَّاهِرِ وَ " الْخَفِيُّ " مَا عُرِفَتْ عِلَّتُهُ بِالِاسْتِنْبَاطِ. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ: الْجَلِيُّ مَا يَكُونُ مَعْنَاهُ فِي الْفَرْعِ زَائِدًا عَلَى مَعْنَى الْأَصْلِ وَالْخَفِيُّ مَا يَكُونُ فِي الْفَرْعِ مُسَاوِيًا لِمَعْنَى الْأَصْلِ.
[أَقْسَامُ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ]
ثُمَّ قَسَمَا الْجَلِيَّ - تَبَعًا لِلْقَفَّالِ الشَّاشِيِّ وَغَيْرِهِ - إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: مَا عُرِفَ مَعْنَاهُ مِنْ ظَاهِرِ النَّصِّ بِغَيْرِ اسْتِدْلَالٍ قَالَا: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرِدَ التَّعَبُّدُ فِيهِ بِخِلَافِ أَصْلِهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: ٢٣] فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ التَّأْفِيفِ بِالْبَدِيهَةِ، وَعَلَى تَحْرِيمِ الضَّرْبِ وَالشَّتْمِ قِيَاسًا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحَرِّمَ التَّأْفِيفَ وَيُبِيحَ الضَّرْبَ. وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: ٧] {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: ٨] فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجَازِيَ عَلَى قَلِيلِ الطَّاعَةِ وَلَا يُجَازِيَ عَلَى كَبِيرِهَا، وَيُعَاقِبَ عَلَى قَلِيلِ الْمَعْصِيَةِ وَلَا يُعَاقِبَ عَلَى كَبِيرِهَا. قَالَ الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ: حُكْمُ ذَرَّةٍ وَنِصْفٍ بِمَنْزِلَةِ ذَرَّةٍ. وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا حَتَّى لَا يَقُولَ مَبْهُوتٌ: إنَّ الْكَثِيرَ ذَرَّاتٌ فَالِاسْمُ مُتَنَاوِلٌ لَهَا. يُشِيرُ إلَى مَا حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute