[فَصْلٌ فِي شُرُوطِ النَّسْخِ]
الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ الْمَنْسُوخُ شَرْعِيًّا لَا عَقْلِيًّا، أَيْ قَدْ ثَبَتَ بِالشَّرْعِ، ثُمَّ رُفِعَ، فَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَفْعَلُهُ النَّاسُ بِعَادَةٍ لَهُمْ أُقِرُّوا عَلَيْهَا، ثُمَّ رُفِعَ كَاسْتِبَاحَتِهِمْ الْخَمْرَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ عَلَى عَادَةٍ كَانَتْ لَهُمْ إلَى أَنْ حُرِّمَ لَمْ يَكُنْ نَسْخًا. وَإِنَّمَا هُوَ ابْتِدَاءُ شَرْعٍ.
الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ النَّاسِخُ مُنْفَصِلًا عَنْ الْمَنْسُوخِ مُتَأَخِّرًا عَنْهُ، فَإِنَّ الْمُقْتَرِنَ كَالشَّرْطِ وَالصِّفَةِ وَالِاسْتِثْنَاءِ لَا يُسَمَّى نَسْخًا، وَإِنَّمَا هُوَ تَخْصِيصٌ، كَقَوْلِهِ: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: ١٨٧] فَلَيْسَ ذَلِكَ نَاسِخًا لِلصَّوْمِ نَهَارًا، وَكَذَا قَوْلُهُ: {وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [النساء: ١٩] . قَالَ إِلْكِيَا: هَذَا إذَا كَانَتْ الْغَايَةُ مَعْلُومَةً، فَإِنْ كَانَتْ مُجْمَلَةً وَهِيَ الَّتِي رَمَزَ الشَّرْعُ إلَيْهَا، وَلَوْ لَمْ تَرِدْ أَمْكَنَ إجْرَاءُ حُكْمِ النَّصِّ كَقَوْلِهِ: {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا} [النساء: ١٥] فَهَلْ يُجْعَلُ بَيَانُ الْحُكْمِ عَلَى خِلَافِ الْحُكْمِ السَّابِقِ بَعْدَهَا نَسْخًا لِلْحُكْمِ الْمُتَقَدِّمِ أَمْ لَا؟ قَالَ: فِيهِ قَوْلَانِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ نَسْخٌ بِحَقِّ شَرْعِيَّةِ الْجَلْدِ بَعْدَ قَوْلِهِ: {أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا} [النساء: ١٥] وَبِهِ جَزَمَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ كَمَا لَوْ قَالَ: افْعَلُوهُ إلَى أَنْ أَنْسَخَهُ.
الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ النَّسْخُ بِخِطَابٍ شَرْعِيٍّ، فَارْتِفَاعُ الْحُكْمِ بِمَوْتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute