للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[إطْبَاقُ النَّاسِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ]

ٍ هَذَا الدَّلِيلُ يَسْتَعْمِلُهُ الْفُقَهَاءُ فِي مَوَاضِعَ، كَاسْتِدْلَالِ أَصْحَابِنَا عَلَى طَهَارَةِ الْإِنْفَحَةِ بِإِطْبَاقِ النَّاسِ عَلَى أَكْلِ الْجُبْنِ، وَاسْتِدْلَالُهُمْ عَلَى جَوَازِ قَرْضِ الْخُبْزِ. وَاسْتِدْلَالُ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِصْنَاعِ لِمُشَاهَدَةِ السَّلَفِ لَهُ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ مَعَ ظُهُورِهِ وَاسْتِفَاضَتِهِ، وَدُخُولُ الْحَمَّامِ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ أُجْرَةٍ وَلَا تَقْدِيرِ انْتِفَاعٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَهُوَ يَقْرُبُ مِنْ الْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ مِنْ غَيْرِ تَقْرِيرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْفِعْلِ، مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ يَقُومُ مَقَامَ التَّصْرِيحِ بِالتَّجْوِيزِ، لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ لَازِمٌ لَلْأُمَّةِ، بَلْ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْكَلَامِ عَلَى وُجُوبِ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ: وَقَدْ يَسْتَدِلُّ الشَّافِعِيُّ عَلَى وُجُوبِ الشَّيْءِ بِإِطْبَاقِ النَّاسِ عَلَى الْعَمَلِ، وَمَا كَانَ مَقْطُوعًا بِهِ فَالْعَادَةُ لَا تَقْتَضِي تَرَدُّدَ النَّاسُ فِيهِ. انْتَهَى.

وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: هَذَا لَا يَتِمُّ إلَّا إذَا اتَّفَقَ فِي عَصْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَوْ فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ. وَأَمَّا بَعْدَ ذَلِكَ فَتَزَايُدُ الْحَالِ إلَى هَذَا الزَّمَانِ الَّذِي كَمْ فِيهِ مِنْ بِدْعَةٍ، وَقَدْ تَوَاطَئُوا عَلَى عَدَمِ الْإِنْكَارِ لَهَا، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَجْعَلَ الْإِطْبَاقَ عَلَى الْفِعْلِ مَعَ عَدَمِ النَّكِيرِ دَلِيلًا عَلَى الْإِبَاحَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ. وَقَدْ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ يُكْثِرُ الْجُلُوسَ عَلَى رَبِيعَةَ، فَتَذَاكَرَا يَوْمًا، فَقَالَ رَجُلٌ: لَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى هَذَا. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أَرَأَيْت إنْ كَثُرَ الْجُهَّالِ حَتَّى يَكُونُوا هُمْ الْحُطَامُ فَهُمْ الْحُجَّةُ عَلَى النَّاسِ. قَالَ رَبِيعَةُ: أَشْهَدُ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَا يَقْبَلُهُ إلَّا الْأَنْبِيَاءُ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ -. وَقَالَ الصَّيْرَفِيُّ فِي كِتَابِ الدَّلَائِلِ ": وَالْأَعْلَامُ الْمُعْتَادَةُ بَيْنَ النَّاسِ ضَرْبَانِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>