للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ مَعَ الْحَنَفِيَّةِ فِي اسْتِعْمَالِ الْقِيَاسِ فِي الْحُدُودِ وَالْكَفَّارَاتِ.

[مَسْأَلَةٌ نَصُّ الشَّارِعِ عَلَى الْحُكْمِ وَالْعِلَّةِ]

إذَا نَصَّ صَاحِبُ الشَّرْعِ عَلَى حُكْمٍ وَنَصَّ عَلَى عِلَّتِهِ، كَمَا لَوْ قَالَ: حَرُمَتْ الْخَمْرُ لِكَوْنِهَا مُسْكِرًا، أَوْ أَعْتَقْت غَانِمًا لِسَوَادِهِ، هَلْ هُوَ إذَنْ مِنْهُ فِي الْقِيَاسِ أَيْنَمَا وُجِدَتْ الْعِلَّةُ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ دَلِيلٍ عَلَى الْقِيَاسِ؟ .

فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ وَالْمُتَكَلِّمِينَ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَالنَّظَّامِ وَبَعْضِ الظَّاهِرِيَّةِ مِنْ مُنْكِرِي الْقِيَاسِ إلَى أَنَّهُ إذْنٌ فِي إلْحَاقِ غَيْرِهِ بِهِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِلْعِلَّةِ فَائِدَةٌ، وَسَوَاءٌ وَرَدَ ذَلِكَ قَبْلَ ثُبُوتِ التَّعَبُّدِ بِالْقِيَاسِ أَوْ بَعْدَ ثُبُوتِهِ. قَالَ أَبُو سُفْيَانَ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ: وَإِلَيْهِ كَانَ يُشِيرُ شَيْخُنَا يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ الرَّازِيَّ " فِي احْتِجَاجِهِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا ذَلِكَ دَمُ عِرْقٍ فَتَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ» فِي إيجَابِ الْوُضُوءِ مِنْ الرُّعَافِ وَنَحْوِهِ، وَصَارَ بِمَثَابَةِ قَوْلِهِ: الْوُضُوءُ مِنْ كُلِّ دَمِ عِرْقٍ. قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ: وَأَوْجَبَ أَبُو هَاشِمٍ الْقِيَاسَ بِهَا وَإِنَّمَا لَمْ يُرِدْ التَّعَبُّدَ بِالْقِيَاسِ، وَصَارَ بَعْضُ الظَّاهِرِيَّةِ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِإِذْنٍ، بَلْ لَا بُدَّ مَعَهُ مِنْ دَلِيلٍ، وَنَقَلَهُ الْآمِدِيُّ عَنْ الْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ وَأَكْثَرِ الشَّافِعِيَّةِ، وَاخْتَارَهُ تَبَعًا لِلْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ. وَقَالَ سُلَيْمٌ الرَّازِيَّ: إنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا، وَعَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ

<<  <  ج: ص:  >  >>