وَالْمُتَكَلِّمُونَ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ ذِكْرُ الْعِلَّةِ لِتَعْرِيفِ الْبَاعِثِ عَلَى الْحُكْمِ لِيَكُونَ أَقْرَبَ إلَى الِاعْتِبَارِ لَا لِأَجْلِ الْإِلْحَاقِ. وَيَقْوَى الْقَوْلُ بِهَذَا إذَا قُلْنَا: إنَّ الدَّلِيلَ الدَّالَّ عَلَى وُجُوبِ التَّعَبُّدِ بِالْقِيَاسِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ قَطْعِيًّا، فَإِنَّ غَايَةَ هَذَا الظَّنُّ.
فَإِنْ قِيلَ: النَّصُّ عَلَى الْعِلَّةِ فِي نَحْوِ حَرُمَتْ الْخَمْرُ لِشِدَّتِهَا لَوْ لَمْ يُعْتَبَرْ التَّعْمِيمُ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَائِدَةٌ.
قُلْنَا: لَهُ فَوَائِدُ:
مِنْهَا: مَعْرِفَةُ الْبَاعِثِ كَمَا سَبَقَ.
وَمِنْهَا: زَوَالُ الْحُكْمِ عِنْدَ زَوَالِ الْعِلَّةِ كَزَوَالِ التَّحْرِيمِ عِنْدَ زَوَالِ الشِّدَّةِ. وَمِنْهَا مَا سَيَأْتِي فِي فَائِدَةِ الْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ مِنْ انْقِيَادِ الْمُكَلَّفِ إلَى الِامْتِثَالِ لِظُهُورِ الْمُنَاسِبِ. وَمُرَادُهُمْ بِالدَّلِيلِ تَقَدُّمُ الْإِذْنِ بِالْقِيَاسِ، وَلِهَذَا فَصَّلَ جَعْفَرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ مُبَشِّرٍ شَيْخَا الْمُعْتَزِلَةِ بَيْنَ أَنْ يَرِدَ قَبْلَ وُرُودِ التَّعَبُّدِ بِالْقِيَاسِ وَلَا يَجُوزُ تَعَدٍّ بِهِ وَإِلَّا جَازَ، وَاخْتَارَهُ أَبُو سُفْيَانَ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ، وَفَصَّلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ بَيْنَ إنْ كَانَ الْحُكْمُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ مِنْ قَبِيلِ الْمُحَرَّمَاتِ فَهُوَ إذْنٌ، وَإِنْ كَانَ مِنْ قَبِيلِ الْمُبَاحِ أَوْ الْوَاجِبِ فَلَا. قَالَ الْهِنْدِيُّ: وَالْمُخْتَارُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُفِيدُ ثُبُوتَ الْحُكْمِ فِي غَيْرِ الصُّورَةِ الَّتِي نَصَّ عَلَيْهَا، لَا بِطَرِيقِ اللَّفْظِ وَلَا بِطَرِيقِ أَنَّهُ يُفِيدُ الْأَمْرَ بِالْقِيَاسِ. وَهُنَا تَنْبِيهَانِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ الْقَائِلِينَ بِالِاكْتِفَاءِ مُطْلَقًا هُمْ أَكْثَرُ نُفَاةِ الْقِيَاسِ، وَلَا يُسْتَنْكَرُ ذَلِكَ مِنْهُمْ لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ أَنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى عِلَّةِ الْحُكْمِ تَنْزِلُ مَنْزِلَةَ اللَّفْظِ الْعَامِّ فِي وُجُوبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute