للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْمَجَازَ مَوْضُوعٌ أَمْ لَا]

اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْمَجَازَ مَوْضُوعٌ أَمْ لَا؟ فَقِيلَ: مَوْضُوعٌ كَالْحَقِيقَةِ إلَّا أَنَّ الْحَقِيقَةَ بِوَضْعٍ أَصْلِيٍّ، وَالْمَجَازُ بِوَضْعٍ طَارٍ، وَقِيلَ لَيْسَ بِمَوْضُوعٍ، بَلْ الْمَوْضُوعُ طَرِيقُهُ دُونَ لَفْظِهِ؛ لِأَنَّ فِي وَضْعِهِمْ الْحَقِيقَةَ غُنْيَةً عَنْ وَضْعِ الْمَجَازِ، وَلَكِنْ وَضَعُوا الْمَجَازَ تَوْسِعَةً لِلنَّاسِ فِي الْكَلَامِ، وَقِيلَ: لَمْ يَضَعُوا لَفْظَهُ وَلَا طَرِيقَهُ؛ لِأَنَّهُ عِلَّةٌ لَهُ، وَمَتَى كَانَتْ الْعِلَّةُ مَوْضُوعَةً كَانَ الْحُكْمُ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ، كَالْعِلَّةِ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ إذَا كَانَتْ مَنْصُوصَةً كَانَ الْحُكْمُ الثَّابِتُ فِيهَا مَنْصُوصًا فَيَفْسُدُ بَابُ الْمَجَازِ، وَهُوَ خِلَافُ إجْمَاعِ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ الْكَلَامَ حَقِيقَةٌ وَمَجَازٌ، لَكِنَّ الْمَجَازَ عُرِفَ بِالتَّأَمُّلِ فِي أَشْعَارِهِمْ، وَهَذَا الْخِلَافُ حَكَاهُ صَاحِبُ " الْمِيزَانِ " مِنْ الْحَنَفِيَّةِ. تَنْبِيهٌ الْوَضْعُ فِي الْمَجَازِ خِلَافُ الْوَضْعِ فِي الْحَقِيقَةِ، فَإِنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ تَعَلُّقُ اللَّفْظِ بِإِزَاءِ الْمَعْنَى الَّذِي جُعِلَ اللَّفْظُ حَقِيقَةً لَهُ، وَأَمَّا الْوَضْعُ فِي الْمَجَازِ عَلَى الْخِلَافِ فِيهِ، فَالْمُرَادُ بِهِ كَمَا قَالَهُ الْأَصْفَهَانِيُّ فِي " شَرْحِ الْمَحْصُولِ ": أَنْ يَكُونَ نَوْعُ ذَلِكَ الْمَجَازِ مَنْقُولًا عَنْ الْعَرَبِ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ، كَاسْتِعْمَالِهِمْ الْكُلَّ فِي الْجُزْءِ وَعَكْسِهِ، هَكَذَا جَعَلَ هَذَا الْخِلَافَ هُوَ الْخِلَافُ الْآتِي فِي أَنَّهُ هَلْ يُشْتَرَطُ النَّقْلُ وَفِيهِ نَظَرٌ كَمَا سَبَقَ، وَقِيلَ: الْخِلَافُ فِيهِ يَلْتَفِتُ عَلَى تَفْسِيرِ الْوَضْعِ بِأَنَّهُ التَّعْيِينُ مُطْلَقًا، أَوْ التَّعْيِينُ الَّذِي بِنَفْسِهِ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ مَوْضُوعٌ لَا بِمَعْنَى تَوَقُّفِ الِاسْتِعْمَالِ بَعْدَ الْمُنَاسَبَةِ بِإِذْنِ الْوَاضِعِ، بَلْ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَتَفَرَّعُ عَلَى وَضْعِ الْحَقِيقَةِ، وَلِهَذَا كَانَ وَضْعًا غَيْرَ أَوْلَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>